القاضي الشيخ خلدون عريمط
عرفت الدكتور محمد السماك عام 1980م من القرن الماضي؛ حينها كان السماك كاتبا وإعلاميا مميّزا ومقرّبا من المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد رحمه الله تعالى. وازدادت معرفتي به حين التقيته في شهر كانون الأول من العام نفسه وأنا بصحبة الدكتور حسين القوتلي والدكتور صبحي الصالح رحمهما الله تعالى؛ للمشاركة معا في مؤتمر الإعلام الإسلامي الأول الذي دعت إليه رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة وانعقد حينها في العاصمة جاكرتا برعاية الرئيس الاندونيسي محمد سوهارتو؛ وقتها كان السماك وبلغته الانجليزية الراقية محور التواصل والنقاشات الفكرية الإسلامية والسياسية والإعلامية بين ضيوف رابطة العالم الإسلامي من المشاركين العرب وأقرانهم من بلاد إسلامية متنوعة؛ وأكثر النقاشات المباشرة والجانبية كانت حول مسألة الحوار مع الآخر المختلف، ودور الإعلام الإسلامي فيه؛ ورسالة الإعلام في تعميق ثقافة الحوار بين اتباع الشرائع؛ ومخاطبة المختلف لغة وثقافة وعقيدة؛ وضرورة معرفة الآخر؛ وليعرف الآخر هواجسنا وثقافتنا ورسالتنا الإيمانية الحضارية والإنسانية الهادفة لعبادة الله الواحد ونفع الناس كل الناس.
لم يكتفِ الدكتور محمد السماك مع زملائه الآخرين (رضوان السيد؛ عباس الحلبي؛ حارث شهاب؛ سعود المولى؛ رياض جرجور وآخرين) بترأسه والأمير حارث شهاب؛ للجنة الحوار الإسلامي - المسيحي في لبنان؛ وبدوره الحواري الصامت على مدى نصف قرن بين دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ومشيخة عقل الموحدين الدروز من جهة؛ والبطريركية المارونية والأرثوذكسية والكاثوليكية وغيرها من جهة أخرى؛ وإنما تعدّى دور الدكتور السماك الى تعميق الحوار والتلاقي التاريخي بين مشيخة الأزهر الشريف في القاهرة وحاضرة الفاتيكان في روما والتي زارها مرات عديدة والتقى كرادلتها وبابا كنيستها الكاثوليكية لتثمر هذه المشاركات والحوارات لقاءات مباشرة ومتعددة بين الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف في القاهرة؛ وحاضرة بابا الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان؛ وقبلها وبعدها لقاءات هامة بين معالي رئيس وأمين عام رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة؛ وبابا الفاتيكان وأركان الكنيسة الكاثوليكية بروما حيث أنتجت هذه اللقاءات؛ وثائق لنتائج حوارية عديدة أبرزها وثيقة (الاخوة الإنسانية) التي صدرت في العاصمة الاماراتية (أبو ظبي) بشهر شباط عام 2019 م.
وعلى الرغم من رسالته الإسلامية الحوارية والحضارية؛ استطاع الدكتور محمد السماك وبفكره الاستشراقي أن يصدر العشرات من المؤلفات، سلّط الضوء فيها على خطورة الحركة الصهيونية التي اخترقت بعض الفرق المسيحية في الغرب؛ فكانت محتوى بعض مؤلفاته؛ الصهيونية المسيحية الاستغلال الديني في الصراع السياسي - الأصولية الانجيلية - الدين في القرار الأميركي - موقع الدين في المجتمعات الغربية - الارهاب والعنف السياسي - القدس قبل فوات الأوان - ولن يكون آخرها 60 كتابا في كتاب. والدكتور السماك من أوائل من نبّه على خطورة مخططات الحركة الصهيو/أميركية؛ بتقسّم المقسّم وتجزئة المجزّأ للوطن العربي والعالم الإسلامي؛ ومن أوائل من حاضر عن معركة هرمجدون التلمودية الصهيونية وإبادة أكثرية المسلمين فيها؛ ومن أجل ذلك فان فوز الدكتور محمد السماك بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام لعام 2024م هي رسالة تقدير وإكبار من المملكة العربية السعودية وقيادتها ومن مؤسسة الملك فيصل العالمية للبنان وطن الإبداع, ولمفكر لبناني عربي مسلم من بلاد الأرز الجريح؛ عمل على مدى نصف قرن من الحوار بين أبناء الوطن الواحد ليبقى لبنان وطن الإنسان والإيمان؛ وسعى بجهد العالم الغيور الصادق لاستشراف مستقبل الأمة العربية والإسلامية منبّها من خطورة مشروع الحركة الصهيو/أميركية وحلفائها الوارثين لوثيقة سايكس/بيكو؛ والعاملين بجهد وتصميم بالفتن والحروب حينا، وبالدبلوماسية الناعمة حينا آخر، على تقسم المقسّم, وتجزئة المجزّأ لبلاد العرب والمسلمين؛ وهذا ما دعا إليه وعمل له مع المحافظين الجدد في أميركا, المؤرخ اليهودي الصهيوني (برنارد لويس) البريطاني المولد والأميركي الجنسية؛ فهل من يتابع ويتعظ مما حصل بفلسطين؛ ويحصل ف
ي العراق والسودان وسوريا واليمن ولبنان؟!.. اللهم اشهد.
* رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام