التبويبات الأساسية

باسم المرعبي- ناشر موقع”رأي سياسي”:

الانتخابات البلدية، هي عملية ديمقراطية يُفترض أن تعكس إرادة الناس وتُترجم حاجاتهم المحلية إلى خطط عمل تنموية، لكنها للأسف الشديد أصبحت في العديد من المناطق اللبنانية مصدرًا للانقسام والتفكك الاجتماعي، وخصوصًا داخل العائلة الواحدة. فما إن تُعلن الترشيحات، حتى تتفكك روابط القرابة، ويبدأ الصراع على “الكرسي البلدي”، لا على أساس البرامج والرؤية التنموية، بل في الغالب على أسس طائفية أو محسوبيات ضيقة، وقد شهدت العديد من القرى والبلدات في الانتخابات البلدية والاختيارية التي حصلت طيلة شهر ايار انقسامات حادة داخل العائلة الواحدة بسبب الانتخابات البلدية، حيث تنازع الأقارب على المقعد البلدي أو الاختياري لا خدمةً للناس، بل أحيانًا لإثبات الهيمنة أو النفوذ الاجتماعي، فتحول بيت العائلة إلى جبهات سياسية متناحرة، وضاعت وحدة الصف العائلي في خضم منافسات تفتقر إلى أدنى مقومات الرؤية التنموية. وغالبًا ما تترك هذه الانتخابات جروحاً لا تندمل بسهولة، إذ تستمر الخلافات إلى ما بعد إعلان النتائج، لتتحول فيما بعد إلى قطيعة اجتماعية طويلة الأمد. ومن الظواهر المؤسفة التي ترافق الانتخابات البلدية تفشي الرشوة الانتخابية، حيث يُقدَّم المال مقابل الصوت، وتُوزَّع الخدمات أو الهبات بانتقائية مريبة. هذا السلوك لا يضر فقط بشرعية العملية الانتخابية، بل يُفرغها من مضمونها الديمقراطي ويحوّلها إلى مزاد علني للذمم. ومن المؤسف ايضا أن يُصبح الصوت الانتخابي – وهو تعبير عن رأي حر – أداة للبيع والشراء، مما ينتج مجالس غير كفؤة ولا تملك أي برنامج فعلي للنهوض بالبلدية.
ولقد أصبحت كثرة البلديات في بعض المناطق عبئًا إداريًا وماليًا بدلًا من أن تكون عامل تنمية محلية، اذ انه في بعض الأحيان، تُنشأ بلديات جديدة لا لحاجة السكان أو اتساع الرقعة الجغرافية، بل على خلفيات طائفية أو من باب المحاصصة والمحسوبيات. هذا التفكك الإداري يؤدي إلى تشتيت الموارد، وتكرار في الوظائف والمصاريف، بل ويزيد من التوترات بين المكونات الاجتماعية المختلفة، مما يؤدي الى نسف فكرة التنمية المتكاملة لصالح نزاعات محلية لا تنتهي. والمستغرب في هذا السياق ان رئيس البلدية يتمتع بصلاحيات واسعة تجعل منه المرجع التنفيذي الأول وربما الوحيد في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى صرف عشوائي للموارد، وتغييب باقي الأعضاء عن دائرة القرار.هذا التفرّد، في ظل غياب الرقابة الجدية، قد يفتح الباب أمام الفساد المالي والإداري، لذلك وللحد من هذه الحالة الشاذة نناشد وزير الداخلية والبلديات وندعوه إلى اتخاذ الخطوات التالية: تعديل قانون البلديات بما يُلزم بتوزيع الصلاحيات بين رئيس البلدية ونائبه وأعضاء المجلس البلدي، منعًا للتفرد وضمانًا لتحمل الجميع للمسؤولية، مما يكرّس الشفافية والمساءلة الجماعية.
تفعيل دور الرقابة والتفتيش البلدي من خلال إرسال لجان دورية متخصصة تراقب أعمال البلديات، وتدقق في الموازنات، وكذلك في المخصصات التي تاتي من الصندوق البلدي المستقل والتي غالبا ما تتبخر وتذهب الى جيوب النافذين في البلدية، وأيضا متابعة المشاريع المنفذة والمخطط لها.
إعادة النظر في عدد البلديات والحد من التفريخ غير المدروس، عبر دمج بعض البلديات الصغيرة ضمن اتحادات بلدية قوية ذات موارد مشتركة قادرة على التخطيط والإنجاز.
-محاربة الرشوة الانتخابية من خلال آليات قانونية صارمة تردع المتاجرين بأصوات الناس، وتعيد الاعتبار للعملية الديمقراطية.
نختم لنقول إن الانتخابات البلدية يجب أن تكون مناسبة لتعزيز العمل الجماعي، وبناء مؤسسات محلية قادرة على تلبية حاجات المواطنين، لا مناسبة للتفرقة والانقسام والفساد. ومن هنا، فإن إعادة هيكلة النظام البلدي وتشريعاته باتت حاجة ملحة، وكذلك تفعيل الرقابة الإدارية، وإشراك المواطن في مراقبة المجالس المحلية، لتعود البلديات فعلًا لخدمة الناس لا خدمة المصالح الضيقة.

صورة editor13

editor13