كرّست طرابلس إبنها الرئيس نجيب ميقاتي زعيما قبل أيام قليلة من الانتخابات النيابية في السادس من أيار المقبل، فزحفت بكل طبقاتها وشرائحها الاجتماعية وفئاتها العمرية الى ساحة المهرجان المركزي الذي أقيم لـ "لائحة العزم" في محيط المعرض لتعلن مبايعته، ولتؤكد على دعمها وتأييدها له وللائحته، وللشعار الذي يرفعه وهو "إستعادة قرار طرابلس السياسي، وإعادة طرابلس رأسا في المعادلة اللبنانية ورفع الظلم والحرمان والتهميش عنها".
من إعلان لائحة العزم في فندق "الكواليتي إن"، الى مهرجانها المركزي الكبير، وما بينهما من لقاءات شعبية مناطقية طيلة الفترة السابقة، نقطة تحول جوهرية في مسيرة وسلوك الرئيس ميقاتي الذي تخلى عن مبدأ الدفاع والمهادنة، وبدأ باعتماد مبدأ أن "أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم"، ووضع النقاط السياسية على الحروف وإعتماد الحِجة في الاقناع"، فاجتمع ذلك مع قربه من الناس وتواضعه وخدماته وتقديماته في شتى المجالات، وولّد "طوفان العزم" الذي إجتاح طرابلس من أقصاها الى أقصاها، حيث أقفلت مداخل المدينة بالقادمين من الضنية والمنية، وأقفلت الشوارع الداخلية بالسيارات والمواطنين الذين آثروا الوصول سيرا على الأقدام، ففاضت باحة المهرجان على رحابتها بطولها وعرضها الى الشوارع المحيطة بها.
بالأمس إكتشف الرئيس نجيب ميقاتي أنه نجح الى أبعد الحدود في تشكيل لائحته التي تضم شخصيات طرابلسية حتى العظم، هي من نسيج المدينة يعرفون أهلها ويعرفونهم، ويتواصلون معهم بشكل يومي، ويحملون همومهم ومعاناتهم، فجمع بين الاختيار الناجح، والحضور الطاغي، والخطاب السياسي الجديد الذي يتحدث عن إستعادة قرار طرابلس من منطلق وطني عريض، فقدم للطرابلسيين ومعهم أبناء المنية والضنية ما كانوا يفتشون عنه في السياسة، فبادله الجمهور بالوفاء وإحتشد في مهرجان جماهيري لم يسبق أن شهدته طرابلس من قبل، ولم يسبق لجمهور أن هتف بهذا العصب لأي زعيم أو مسؤول سياسي، وبصوت واحد هادر إهتزت له الأرجاء.
اللافت أن الاعصار البنفسجي جاء بعد إنتهاء زيارة الرئيس سعد الحريري الى طرابلس وجولاته في المناطق، بأقل من 24 ساعة، وهو شكل ردا مزلزلا على الزيارة الزرقاء، وأثبت أن طرابلس مع نجيب ميقاتي، وأنها تريد قرارها، وترفض التبعية والوصاية، وإستخدامها في مشاريع سياسية أو أمنية، وأكدت في الوقت نفسه أن نجيب ميقاتي بات ضرورة لطرابلس التي يخدمها ويدافع عن أهلها، بعدما سئمت وملت من كل من يريد أن يستخدمها ويحارب بها.
كما شكل حضور العشرات من مشايخ دار الفتوى الذين إستقبلهم المنظمون من أمام باب الباحة وساروا معهم الى الصف الأول معززين مكرمين، ردا واضحا وصريحا على المفتي مالك الشعار الذي إستخدم "منبر رسول الله" في خطبة الجمعة للتسويق للرئيس سعد الحريري، وقد أكد المشايخ من خلال حضورهم بأن كل رجل دين هو فرد من المجتمع ولديه خياراته وآرائه السياسية، لكن من دون أن يجاهر بها أو أن يستخدم دور العبادة والمنابر من أجل التسويق لأي سياسي من هنا أو هناك.
بدا واضحا أن الجمهور البنفسجي العريض والاستثنائي كان يريد أن "يفش خلقه" بالرئيس سعد الحريري كردة فعل على الاساءات والاتهامات التي كان ساقها بحق الرئيس نجيب ميقاتي، وقد حاول هذا الجمهور أن يفرض إيقاعه على المهرجان من خلال هتافات منددة بالحريري، لكن ميقاتي الذي أثبت أنه رجل دولة من الطراز النادر، لم يقبل بأن يستدرجه الجمهور الى حيث يريد، بل سارع الى ضبطه، في المرة الأولى عندما كان يتحدث الدكتور محمد نديم الجسر حيث قام عن مقعده لاسكات الجمهور، وفي المرة الثانية عندما كان يلقي كلمته، حيث خاطب الجمهور بالقول: "الرئيس سعد الحريري هو رئيس حكومة لبنان وعندما يذكر رئيس الحكومة نصفق له"، وقد صفق له ما جعل الجميع يصفقون له، ثم قال: "نحن نريد أن نحافظ على موقع رئيس الحكومة، أيا يكن رئيس الحكومة"، وذلك في خطوة جسّد فيها ميقاتي أخلاقه ونهج تياره السياسي الذي يقبل بالخلاف من دون أي إساءات شخصية وإتهامات، على عكس الحريري الذي يمعن في الاساءة لميقاتي وغيره من قيادات المدينة.
في المقابل خاطب ميقاتي الحريري بمنطق رجل الدولة، بأنه "يتعامل مع طرابلس كصندوق بريد، فعندما يكون في الحكم ينساها، ويعتبرها في جيبه، وعندما يكون خارج الحكم يتعامل معها على قاعدة أنا أو لا أحد".
ومن منطلق رجل الدولة أيضا ناشد ميقاتي رئيس الجمهورية لوقف التجاوزات التي تحصل، إنطلاقا من حرصه على العهد وعلى صورة الدولة.
في خلاصة القول، قالت طرابلس كلمتها يوم أمس، وردت الصاع صاعين الى تيار المستقبل، وأكد الحشد الجماهيري الهائل في مهرجان لائحة العزم بأن المدينة لأهلها، على أن يترجم ذلك فعليا يوم الأحد المقبل.
(سفير الشمال)