هنا انتصر الأمل على الألم والمعاناة، هنا بني السلام ودفنت الأحقاد الى غير رجعة، هنا أزهرت التضحيات كبرياءاً وترفّعاً عن الأنانيّات... هنا الغفران والمصالحة مع الذات! هنا يتوّقف التاريخ باكياً أمام هول مجزرة مقيتة بشعة تشبه من نفذّها. هنا قصّة شعب رفض الإستسلام وأبى ان ينكسر للذلّ، هنا قضيّة أبطالٍ انتفضوا من تحت الرماد تماماً كطائر الفينيق، فثابروا واجتهدوا وجعلوا بلدتهم مثالاً يحتذى به للعيش المشترك والتسامح.
هنا الدامور أرض الكرامة والعنفوان، هنا واحة السلام والصفاء... هنا مجموعة من الناس قررت أن تشبك أيديها للدفع باتجاه الأمن والأمان والإزدهار والإنماء.
مع رئيس بلديّة الدامور المحامي شارل غفري نتوّقف للحديث عن شؤون البلدة وناسها، وعن النهضة الإنمائية الإستثنائية التي شهدتها البلدة في السنوات الأخيرة والتي حوّلتها الى مدينة سياحيّة بمواصفات عالميّة.
- كيف تصفون أجواء الدامور اليوم، وهل تخطّت مأساة الماضي؟
إنّ عدد ناخبي الدامور يبلغ حالياً حوالي عشرة آلاف نسمة ما يعني ان عدد سكانها يزيد على الـعشرين الفاً، وكما يعلم الجميع أنه في العام 1976 تعرضّت البلدة لتهجير قاسٍ ومؤذٍ ترك آثاراً عميقة في حياتنا الإقتصادية والإجتماعية، وفي الحقيقة كان ذاك الحدث المؤلم بمثابة أوّل تهجيرٍ جماعي تعرفه بلدة لبنانيّة، بحيث سيطرت أجواء من الحزن على البلدة كما ذاق أهل الدامور طعم المعاناة المرّة، فتفرّقوا وتوزّعوا على الأديرة المنتشرة في مختلف المناطق، فيما قسمٌ كبيرٌ منهم هاجر الى دول الإغتراب الأوروبيّة والأميركيّة، لدرجة ان اكثر من ثلث أهل البلدة باتوا يعيشون في المهجر.
وبالنسبة الى العودة، فهي إنسانيّة قبل كلّ شيء، بمعنى ان الهدف منها ليس محصوراً بالناحية السياسية فقط، بل ان الغاية تكمن في تعزيز القيم والروابط الإنسانية التي تجمع اللبنانيين على اختلاف إنتماءاتهم. من هنا، فإنّ الإنماء الأوّل الذي يجب أن يتحقق هو إنماء الروح من خلال المحبة والإنفتاح على الرأي الآخر والتعايش الطبيعي معه، وهنا احبّ أن أشير الى أنّه بموازاة طرح فخامة الرئيس ميشال عون أن يكون لبنان مركزاً دولياً لحوار الأديان والحضارات والأعراق، عرضنا نحن كمجلسٍ بلدي ان تكون الدامور هي مركز الحوار نظراً الى موقعها وطبيعة أهلها، وقد أبدى فخامته ترحيباً بالفكرة بانتظار موافقة المنظمّة المعنيّة على طلب لبنان .
- كيف تقيّمون العودة، وهل اكتملت؟
العودة تبقى غير مكتملة بمعنى أن عدد المقيمين في البلدة يبلغ نحو أربعة ألآف نسمة فقط، ويزداد هذا العدد قليلاً في فصل الصيف بفعل عودة بعض المغتربين لقضاء العطلة، وتجدر الإشارة الى وجود نحو 1200 وحدة سكنية غير منجزة بعد بانتظار الدفعات الأخيرة من وزارة المهجرين، وعندما تصبح هذه الوحدات جاهزة للسكن تكون هناك ألف عائلة إضافية قد عادت، علماً أنّه في السنوات الاخيرة لوحظ إتجاه بعض الشباب المتزوجين حديثاً للعيش في الدامور، فهذه البلدة ورغم قربها من العاصمة والمجتمع المدُني الحديث، لا تزال تحافظ على خصوصيّتها القرويّة وتحتفظ بالعادات والتقاليد ضمن أجواء عائلية تسودها الإلفة والمحبّة.
- كيف تقيّمون تجربتكم في الشأن العام والعمل البلدي؟
في الحقيقة أنا اعتبر العمل في الشأن العام ما هو إلّا خدمة، والخدمة العامة تصبّ في النهاية لخدمة الإنسان، بمعنى أنني لست أطمع لتوّلي المناصب ولا أهدف الى تحقيق غايات ومصالح شخصيّة. في العام 2004، مجموعة كبيرة من أهلنا في الدامور طالبت بترشيحي ودعمت وصولي الى رئاسة البلديّة، وعلى مدى ثلاث دورات متتالية منحني أهل الدامور ثقتهم كدليلٍ على مصداقيتنا و نجاح عملنا، ونحن نأمل ان نكون بمستوى هذه المسؤوليّة الكبيرة.
- ما الذي استطعتم تحقيقه للدامور على المستوى الإنمائي؟
نحن استلمنا مهامنا وسط غيابٌ تام لشبكات البنى التحتيّة من مياه وكهرباء وطرقات وأرصفة وغيرها.. والمجلس البلدي جعل كلّ تلك الأمور في صلب أولويّاته للنهوض بالبلدة، وبالفعل فقد تمّ تنفيذ العديد من المشاريع على هذه الأصعدة، ومن بينها مشروع الصرف الصحي الأهمّ بالنسبة لنا، بحيث بات هناك خطّ يربط الدامور بمحطة التكرير في الأوزاعي، علماً بأنّ مدناً ساحلية كبرى ولم تعرف التهجير الذي عرفته الدامور لم تنفذ مشروعاً كهذا مثل جونية او جبيل، وقد تمّ تنفيذ هذا المشروع عن طريق الإتحاد الأوروبي والسفارة الإيطاليّة ومؤسسة “كووبيرتزيوني” التي قدمت لنا المساعدة لتحقيق هذا المشروع فيما نحن كبلديّة لم نتحمّل أيّ أعباءٍ ماليّة. كذلك، لقد ساعدنا البنك الدولي على إنجازمشروع الأرصفة، كما عمدنا الى تزفيت معظم الطرقات إضافة الى تحديث أعمدة الإنارة.
وبالنسبة الى مشكلة المياه، فنحن نعاني كغيرنا من البلدات الساحليّة من أزمة ملوحة المياه وقد أخذت البلديّة على عاتقها حلّ هذه المشكلة من خلال إعادة توصيل الإمدادات التي تربط نبع دقون بخزّانات الدامور والتي تقطعت أثناء الحرب. وبالمناسبة أحب هنا أن اوجه تحية شكر لفريق المهندسين الذي عمل على المشروع وكذلك قيادة الجيش اللبناني التي قدمت لنا مساعدة من خلال طوافات الجيش التي عملت على نقل القساطل الكبيرة على طول 6 كلم.
وعلى المستوى البيئي أيضاً، نحن بصدد استكمال تنفيذ مشروع التشجير في المشاع، وقد تمّ غرز نحو 12 ألف شجرة صنوبر بالتعاون مع وزارة البيئة ووزارة الزراعة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP.
- ما هي أهميّة الشاطئ بالنسبة للدامور؟
نحن لسنا بلدة غنيّة ولا نملك الموارد إنّما لدينا خمسة منتجعات سياحيّة موسميّة، بالإضافة الى بعض المقاهي والمطاعم. نحن طبعاً نسعى للإستفادة من المشاريع البحريّة لتشجيع السياحة، وبالمناسبة لقد تمكّنا خلال العام الماضي من تخصيص أبناء الدامور ببطاقات دخول مجانيّة لمنتجعات البلدة الخاصة بما يعزز السياحة الداخليّة ويوّفر فرصة الاستمتاع بمياه البحر من دون تكلفة وأعباء ماليّة إضافيّة.
- ما هي الصعوبات التي تواجه عملكم البلدي؟
نحن في الحقيقة لا نملك الإمكانيّات المادية من أجل تنفيذ مشاريع كبيرة. فالعائدات المخصصة لنا تبلغ مليار و200 ألف ليرة ، فيما قيمة الموازنة السنوية تبلغ ملياري ألف ليرة، ونتمنى ونأمل في هذا السياق أن يتم رفع سقف مخصصاتنا لنحو ملياري ألف ليرة.
- هل اللامكزية هي الحلّ للمشكلة الماديّة برأيكم؟
انا من دعاة تطبيق اللامركزيّة الإداريّة كما كنت من دعاة اعتماد النسبية في الإنتخابات على كافة الأصعدة لأنها تشرك الآخر قي الإدارة وفي صنع القرارات. وقد اقترح وزير الداخليّة السابق زياد بارود مشروعاً في هذا الاتجاه أي اعتماد النسبية للبلديات الكبرى، ونحن نشدد على ضرورة تحويل هذا المشروع الى قانونٍ نافذ لأنه حيوي وأساسي لتطوير العمل البلدي.
- والمهرجانات؟
شهدت البلدة العام الماضي مهرجاناً إحتفالياً ناجحاً جدّاً وقد جرت فعاليّاته على شاطئ البحر، وهذا الصيف كنا قد أقمنا مهرجانا رياضياً كبيراً إمتدّ على ثلاثة أشهر، ففي البلدة بات هناك نادٍ وجمعيّات رياضيّة تضمّ نحو 250 لاعب ولاعبة تتراوح أعمارهم بيم 5 و 30 سنة، وقد بات لدينا 6 فرق رياضية ذات مستوى، وهذه السنة شهدت البلدة نشاطاً رياضياً ومباريات خلال كلّ عطلة أسبوع.
- كلمة أخيرة...
في النهاية أحب أن أعبر عن محبتي وتقديري لأهلي في البلدة وأثني على الإلفة والمحبة التي تجمعهم، فهذا هو الأهم بالنسبة لي.
ميراي عيد