كتبت جنى الدهيبي في "سفير الشمال": في قضاء زغرتا، وقعت بلدة كفريا ضحية محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، على مدار 9 أشهرٍ من هذا العام، قبل أن تضع وزيرة الداخلية ريا الحسن حدًّا لتماديه المجحف في تجاوز القانون. يحكي سركيس بوعبد الله لـ"المدن"، حكاية 9 أشهرٍ من المعاناة مع فساد المحافظ. سركيس هو أبرز الناشطين في البلدة، وكان أول المتصدّين لنهرا، و"المقاتلين في سبيل قضية محقة"، على حدّ وصفه، والقصّة هي الآتي:
قبل نحو أربع سنوات، قامت شركة "ولكو"، المملوكة من الشقيقين بطرس وطوني عيسى مع والديهما ويليام، بشراء أرضٍ عقارية في كفريا تبلغ مساحتها نحو 54 ألف متر مربع، وجرى الاتفاق مع مختار الضيعة حينها، يوسف بوعبدالله، أن تُخصص الأرض لإنشاء مزارع دواجن.
غير أنّ إنشاء مزارع في هذه الأرض في كفريا، لم يكن مستوفياً الشروط القانونية، لجهة البُعد عن السكن وعن وسط البلدة وعن نبع وعين مياه الشفة، والذي يجب أن لا يقلّ عن 1000 متر بحسب قرار مجلس الأعلى للتنظيم المدني، رقم 3 تاريخ 24 / 2 / 1996، فيما أقرب منزل من هذه الأرض يبعد حوالى 50 متر ووسط الضيعة 350 متر. ومع ذلك، أعطى المحافظ نهرا للشركة بداية العام 2019، رخصة فئة أولى، وهي لا تستوفي الشروط اللازمة، وكان من المستحيل أن يجد لها مخرجًا قانونيًا، وقد فعلها غير آبهٍ بالقانون نفسه.
\
لا وزارة صحة ولا داخلية
خطوة المحافظ، أثارت حينها غضبًا كبيرًا لدى أهالي بلدة كفريا، ورفضوا رفضًا قاطعًا إنشاء هذه المزارع، التي ستضم وفق الشركة نحو مليون طير، وهي قريبة من بيوتهم. قدّمت مجموعة باسم أهالي البلدة اعتراضًا لدى المحافظ، لكنّه أدار لهم ظهره ولم يستقبلهم حتّى، فيما كانت الشركة قد بدأت بأعمال الحفر. وبعد أن كاد أهالي كفريا يفقدون الأمل، توجهوا إلى وزارة الصحة، وقدموا كتاب اعتراضٍ لها، فأعطاها الوزير جميل جبق اهتمامًا بالغًا. ونتيجة التشكيك بالرخصة التي أعطاها المحافظ للشركة، أرسل جبق فريقًا من المصلحة الصحية في زغرتا في شهر آذار 2019، من أجل الكشف على الأرض، فأعطت المصلحة تقريرًا يؤكد عدم قانونية عمل نهرا بإعطائه رخصة غير مستوفية للشروط. ثم عادت وزارة الصحة للتأكيد على التقرير، وأرسلت مصلحة الصحة من طرابلس، فجاء التقرير مطابقًا لخطورة إنشاء مزارع للدواجن في الضيعة. وللمرة الثالثة في شهر أيار الفائت، أرسلت وزارة الصحة لجنة فنية مؤلفة من مهندسين وأطباء إلى كفريا، فجاء قرار اللجنة موافقًا لجهة عدم استيفاء الأرض الشروط القانونية والصحية، وأظهرت دراسة اللجنة أنّ إنشاء هذه المزارع يشكل خطرًا كبيرًا على المياه الجوفية في كلّ مناطق الشمال.
تدمير آثار
ورغم كلّ تقارير وزارة الصحة الصادرة بعد شهر أيار، استمرت الشركة بأعمال الحفر في الأرض، وهي تتلقى دعمًا مطلقًا من المحافظ الذي كان يؤمن الحماية لها.
هذه الأرض التي نوت شركة "ولكو" إنشاء مزارعها فيها، تقع ضمن نطاق منطقة أثرية. وأثناء أعمال الحفر، في شهر حزيران 2019، ظهر مع الشركة حجر كبير يتجاوز عمره 1500 عام، فاتهم أهالي البلدة الشركة بسرقته، قبل أن يتواصلوا مع المديرية العامة للآثار، وقد أٌجبروا على إعادته، ثمّ أرسلت المديرية فريقًا تابعًا لها من أجل الكشف على المكان. قام الفريق الفنيّ التابع للمديرية بمسحٍ للأرض، فأرسل بلاغًا فوريًا للقاضي ابراهيم من أجل وقف أعمال الحفر في المشروع، ولو مؤقتًا، بعد أن كانت الشركة (المدعومة من نهرا) قد ألحقت في أعمالها دمارًا كبيرًا بالمواقع الأثرية المحيطة بالأرض.
في 26 آب 2019، أرسل وزير الصحة جميل جبق، كتابًا إلى المحافظ نهرا يحمل عنوان: "طلب الامتناع عن إعطاء شركة "ولكو لترخيص إنشاء مزرعة دواجن"، بناءً على شكوى مقدمة ضدّ عمل الشركة. ومع ذلك، امتنع نهرا عن تبليغ الشركة بوقف مشروعها! عندها، تقدّم سركيس باسمه الشخصي بشكوى ضدّ المحافظ، لدى القصر الجمهوري والتفتيش المركزي ووزارتي الداخلية والصحة، وجميعهم لم يستطيعوا أن يُلزموا المحافظ نهرا تنفيذ القانون وإبلاغ الشركة بالقرار الرسمي في وقف أعمالها!
عادت وزارة الصحة وأرسلت كتابًا للداخلية من أجل إلزام المحافظ نهرا تنفيذ القرار. وفي 14 تشرين الأول 2019، أرسلت الحسن كتابًا لنهرا من أجل إلزامه تنفيذ القرار، وبقي في درجه إلى 20 تشرين الأول، حتّى قام عنوةً بتبليغ الشركة التي كانت تشتكي من خسارتها المالية الضخمة نتيجة وقف عملها في مشروع مزارع الدواجن.
المصدر: سفير الشمال