التبويبات الأساسية

بمناسبة عيد القديس مارون، ترأس سيادة المطران مارون العمار راعي أبرشية صيدا المارونية الذبيحة الإلهية، في كاتدرائية كنيسة مار الياس الحي في صيدا، يعاونه المعاون الأبرشي العام الخورسقف مارون كيوان والأب وليد الديك. شارك في الذبيحة الإلهية النائب الدكتور فريد البستاني والأستاذ إيلي أبو فاضل ممثلاً النائب الدكتورة غادة أيوب، وحشد من المؤمنين، أبناء الأبرشية.
في عظته، توجّه سيادته بالمعايدة إلى الجميع، ناشدًا البركة والسلام والإزدهار للبنان. وأثنى على النشاط الروحي لكهنة الرعية والراهبات الفاضلات، وأثنى على حضور النائب البستاني ومشاركة النائب أيوب، وعلى خدمة الجوقة في الكنيسة، متمنيًا أن تبقى هذه الرعية مجتمعة على الصلاة وفعل الخير.
وقال سيادته: "نحن إذ نحمل اسم مارون، يبقى لنا مثالاً يعلمنا الصلاة ويهدي روحانيتنا في درب المسيحية الحقيقية. في هذه المناسبة، لا يسعنا، نحن المسيحيون، سوى الصلاة بقلب واحد وإيمان واحد والقفز على انقساماتنا السياسية والأرضية.
أضاف سيادته: تتقاطع شخصية القديس مارون مع شخصية مار الياس الحي. ومثله يبقى حيًا بيننا، كما يبقى حاضرًا أيضًا، القديس شربل، في الكنيسة التي تتخذه شفيعًا، وفي قلوب الناس الذين يتوجهون إليه بصلواتهم في مختلف أصقاع الأرض.
إن القديس مارون هو أحد قديسي الله الذين ترك من خلال حياته ونهجه التأثير العميق على المستوى العالمي. وهو الذي اعتنق الصلاة من أجل الآخرين. صحيح أنه لم يكن ملفانًا في الكنيسة، لكنه كان مصليًا كبيرًا. والأسقف تيودوريطس الذي عايشه وأرّخ لبطولات سيرته في مؤلفاته، أخبرنا أن الصلاة كانت محور حياته النسكية وهي ركيزة روحانيته ومصدر قوته، حتى أن منطقة قوروش التي تنسّك فيها، حوّلها إلى بستان إيمان، احتضن في زمنه ثمانمئة كنيسة تصلي وتتضرع للرب، بإشرافه وفي هدي مدرسته الروحية. واقعة تثبت عمق حضور مار مارون في تلك الحقبة ومدى تأثيره على المجتمع. حتى أن القديس يوحنا فم الذهب وسواه، أطلقوا عليه لقب المعلم واتخذوه مثالاً لهم. وما قام به تلاميذه وأتباعه من نشاط روحي مواز، أثمر تأسيسًا للكنيسة التي باتت تعرف بالكنيسة المارونية. فمن أراد التقرب من الله كان يتخذ مار مارون شفيعًا له، رغم أن القديس مارون، بشخصه، لم يؤسس كنيسة خاصة، إلا انه عاش وفيًا لحضور مسيحي متجذر يعود بأصالته إلى فجر المسيحية الرسولية منذ بداياتها.
إنه القديس مارون الذي نطلب شفاعته في هذه المرحلة الصعبة، ونتخذه مثالاً لنا في الإيمان والثبات والتقوى. إذا ما تعمقنا بسيرة حياته نرى أنه ما تدخل يومًا في السياسة ولم يكن له موقف من القضايا الأرضية سوى الصلاة والثبات بالإيمان. لم يمتلك جيشًا، لكن روحانيته انتشرت في العالم بأسره. ونحن، كموارنة، لسنا الوحيدين الذين نكرم القديس مارون، إنما الكنيسة جمعاء تكرمه.
وسأل سيادته: "أما اليوم فماذا تتعلم كنيستنا من شفيعها مارون ومن روحانيته؟" وأجاب: "إن القديس مارون يدعونا كي نقدم أنفسنا إلى الله، وأن نخدم كل إنسان أينما وجد وفي أي مكان، فندعوه كي يؤمن بالرب ويثق به كما كان يثق به. فتصبح صلاتنا على مثال صلاته، الدواء الأساسي لكل أنواع الأمراض التي يتعرض لها الإنسان في حياته البشرية، وتكون الطريق الحقيقية التي توجهه إلى ملكوت السماوات مع جميع الأبرار والصديقين".
أضاف سيادته: "ينبهنا القديس مارون إلى أهمية الإيمان والثبات فيه. ويدعونا قبل أن ننتقد الآخرين، أن ننظر في داخلنا ونعاين أخطاءنا وضعفنا. لقد كان مارون يصلي للناس أجمعين، ويمتلك الثبات في الإيمان ويتضرع للجميع كي يكونوا ثابتين مثله في الحق. كان لديه التزام بالإيمان وكان يطلبه للجميع. بل كان يعيشه وكان يلتمس من الرب أن يقوي إيمان الآخرين ويطلب الشفاء الروحي والجسدي لهم قبل أن يطلبه لنفسه. هذا ما علمنا إياه القديس مارون. لقد أراد أن يكون إيمان بطرس إيماننا، وأن نلتزم به. فلا يفتتح كل فرد منا، وعلى ذوقه، كنيسة خاصة به. نفسر الإيمان كما يحلو لنا وكما يناسب أهواءنا. إن الإيمان واحد. والمسؤول عن الإيمان الحق هي الكنيسة وعلى رأسها قداسة الحبر الأعظم. وعندما أقول إيماني إيمان بطرس، هذا يعني أن إيماني هو الذي تعلمه الكنيسة. هذا هو الثبات الذي ثبتت عليه الكنيسة المارونية مدى الأجيال. فالإيمان ليس فعلاً خاصًا مفردًا. إنما الإيمان مبدأه ربنا يسوع المسيح وهو معلمنا وهو الموجه لنا ونحن نكتشفه ونحيا حياتنا الجديدة معه من خلال الكنيسة".
أضاف سيادته: "مؤخرًا نسمع عبر وسائل الإعلام عن كثيرين، يحاولون أن يرسموا في الكنيسة، تدبيرات على مقاسهم، يعتقدون أنها الأساس. أما الأساس فهو واحد وهو سيدنا وربنا ومخلصنا يسوع المسيح. والذي حافظ على هذا الأساس هو إيمان بطرس. إن مار مارون اليوم يريدنا أن نبقى متحدين مع آبائنا في الإيمان، وعلى رأسهم القديس بطرس وخليفته وكل المساعدين له.
وختم سيادته بالقول: نتمنى أحبائي بشفاعة القديس مارون أن يلهمنا ويلهم كل المسؤولين كي يعودوا إلى الأساس بالإيمان. ولننطلق لخدمة بعضنا البعض في السياسة والإقتصاد والتربية وفي أي مرفق نتولى سدة المسؤولية فيه. علينا أن نخدم بعضنا البعض عبر الإيمان والثبات اللذين عاشهما القديس مارون والقديس شربل ومار الياس الحي وجميع القديسين. هكذا نثبت أننا أبناء ملكوت السماوات، وأبناء الحياة. آمين.

صورة editor16

editor16