التبويبات الأساسية

من دون عطلة رسمية، كان ملف تشكيل الحكومة في الثلاجة، ومع دخول البلد في عطلة العيد في منتصف الاسبوع، أصبح الجمود طاغياً، وبدت كل المحركات مُطفأة، في معظم الملفات. ولولا الحديث عن عقوبات اوروبية على سياسيين لبنانيين يجري التحضير لها، لأمكن القول ان الملف الحكومي طوي في غياهب النسيان. في المقابل، لا يمكن قول الامر نفسه على الملفات الاقتصادية والمالية والحياتية التي شهدت تطورا دراماتيكياً، زاد في قساوته توقيته السيء بالتزامن مع انتهاء الصوم، وحلول عيد الفطر السعيد.

الملف الحكومي

بعد مغادرة وزير الخارجية الفرنسي ايف لودريان لبنان، وفشل مهمته في تحريك الملف الحكومي، عاد التداول في مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري التي تعتمد مبدأ 8+8+8 بحيث لا يمتلك اي طرف ثلثا معطلا في الحكومة. وتبيّن لاحقاً ان المبادرة ظلّت جامدة، وان بري انكفأ عن الوساطات، واهتم بدعم الرئيس المكلف سعد الحريري لثنيه عن الاعتذار.
كذلك تبيّن ان لا صحة للمعلومات التي ذكرت ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيرسل موفدا الى باريس لمتابعة نتائج زيارة لودريان الى بيروت.

في غضون ذلك، برزت معلومات عن قناعة فرنسية بأن الحريري لن ينجح في تشكيل حكومة بسبب الحساسية المفرطة التي باتت قائمة بينه وبين رئيس الجمهورية. ومن هنا، بدأ البحث في امكانية وجود بديل. وتحدثت معلومات صحافية لم يتم تأكيدها من قبل أي مصدر معني، عن وجود توافق فرنسي – سعودي على اسم نجيب ميفاتي كبديل مقبول للحريري. وفي هذا السياق، جرت الاشارة الى الإفطار الذي أقامه ميقاتي على شرف وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل الشهر الماضي، وخلاله سأل الضيف الأميركي مُضيفه إن كانَ يمانِع تولّي هذه المهمة. ومنذ ذلِك الحين، تقول مصادر مطّلعة إن حركة ميقاتي أصبحت لافتة، إن لجهة التواصل مع واشنطن، أو مع باريس عبرَ مدير المخابرات الخارجية الفرنسية برنار إيمييه (السفير الأسبق في لبنان).

وأشارت المصادِر إلى أن «الاتفاق على اسم ميقاتي ليسَ محسوماً بعد، داخلياً. إلا أن هناك موافقة مبدئية عليه من الخارج، وخاصة من الرياض». وتؤكد المعلومات الصحافية نفسها أن الحريري لا يُمانِع هذا الأمر، وربما اقتنع باستحالة نجاحه في المهمة نظراً إلى الفيتو السعودي عليه أولاً، وصعوبة الاتفاق مع الرئيس ميشال عون والوزير السابق جبران باسيل ثانياً.

وانطلاقاً من هذا الواقع، قد يوافق الحريري على تغطية تكليف ميقاتي إرضاءً للمملكة، ولنفي تهم التعطيل عنه.

وفي ملف عرقلة تشكيل الحكومة، ذكرت تقارير ان الاتحاد الأوروبي يعكف على وضع عقوبات لفرضها على سياسيين لبنانيين يرى أنهم يعطّلون تشكيل الحكومة، وستكون هذه أول عقوبات يفرضها الاتحاد على لبنان، بسبب خيبة الأمل من سوء إدارة المجموعة الحاكمة للبلاد، وفي إطار الضغط من أجل مساعدة لبنان على الخروج من أزمته.

وذكرت وكالة «رويترز»، أن الاتحاد الأوروبي لم يبحث أسماء معينة بعد لاستهدافها بالعقوبات المزمعة، كما أن هنغاريا استنكرت جهود الاتحاد للضغط على الساسة اللبنانيين. ونقلت الوكالة عن ستة دبلوماسيين ومسؤولين من الاتحاد الأوروبي، أن التحضير للعقوبات بدأ بالفعل من خلال العمل على ما يطلق عليه «معايير الاختيار»، وذلك بعد أن اتفق وزراء خارجية الاتحاد على هذا التحرّك.

وقال دبلوماسي بارز في الاتحاد الأوروبي «الصبر على الطبقة الحاكمة ينفد بشكل متزايد. لا يبدو أنهم يعيرون اهتماماً لمصالح شعبهم. توقعوا اتخاذ قرار خلال ثلاثة أو أربعة أسابيع».

وبما أن العديد من السياسيين اللبنانيين البارزين لديهم منازل وحسابات مصرفية واستثمارات في دول الاتحاد الأوروبي ويرسلون أبناءهم للدراسة في جامعات أوروبية، فإن سحب هذه الامتيازات قد يكون وسيلة لدفعهم للتفكير في الأمر.

وتقول باريس، إنها اتخذت إجراءات بالفعل لتقييد دخول بعض المسؤولين اللبنانيين إلى أراضيها؛ وذلك لتعطيلهم جهود معالجة الأزمة في لبنان.

ويحتاج الاتحاد الأوروبي أولاً إلى وضع نظام للعقوبات يمكنه من فرض حظر سفر أو تجميد أرصدة الأشخاص المستهدفين. وهناك انقسامات بين دول الاتحاد الأوروبي الـ27، بشأن فرض عقوبات أوروبية، لكن القوتين الرئيسيتين بالتكتل، فرنسا وألمانيا، تؤيدان الفكرة. وما زال يتعين على مجموعة أكبر من الدول تحديد مواقفها.

عقوبات أميركية

في موازاة العقوبات الاوروبية، فاجأت واشنطن حزب الله بفرض عقوبات على اشخاص مرتبطين بمؤسسة القرض الحسن التابعة للحزب. واعتُبرت العقوبات مفاجئة من حيث التوقيت، على اعتبار ان المفاوضات النووية الاميركية الايرانية تسجل تقدما، وعلى اعتبار ان سياسة الادارة الاميركية في عهد بايدن ستكون مختلفة عن ادارة ترامب. وجاءت العقوبات لتدحض الحسابات القائمة.
وقد أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن فرض عقوبات على سبعة لبنانيين بسبب تواصلهم مع حزب الله وشركته المالية «القرض الحسن»، هم إبراهيم علي ضاهر، أحمد محمد يزبك، عباس حسان غريب، وحيد محمود سبيتي، مصطفى حبيب حرب، عزت يوسف عكر، حسن شحادة عثمان.

وأدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية «القرض الحسن” عام 2007 على لائحة العقوبات، إذ يتهم المكتب «حزب الله بأنه يتخذ منها تغطيةً لإدارة أنشطته المالية والوصول إلى النظام المالي الدولي».
وتواصل وزارة الخزانة على حدّ وصفها «تفكيك المنظومة الكاملة لنشاط حزب الله المالي غير الشرعي».

ولفتت وزارة الخزانة في تقريرٍ لها إلى أن «إبراهيم علي ضاهر يشغل منصب رئيس الوحدة المركزية التابعة لـ«حزب الله» والتي تشرف على كل ما له علاقة بالموازنة والانفاق العام للحزب، بما في ذلك تمويل العمليات الإرهابية التي تقوم بها الجماعة وقتل معارضيها».

وأشارت إلى أنّ «الأفراد الستة الآخرين استخدموا حساباتهم الشخصية في بعض المصارف اللبنانية من ضمنها جمّال ترست بنك (مدرج عام 2019 على لائحة العقوبات لصلاته المالية بحزب الله) وذلك كغطاء للتهرب من العقوبات التي تستهدف القرض الحسن وتحويل ما يقارب نصف مليار دولار أميركي نيابة عن الشركة المذكورة.»

غزة والجنوب

الى كل الأزمات الداخلية، برز خطر اضافي من خارج الحدود ارتباطاً بالاحداث التي تشهدها غزة. وشعر اللبنانيون بفداحة المخاطر عندما تم اطلاق 3 صواريخ غراد على ايدي فصائل فلسطينية في محيط مخيم الرشيدية جنوب صور. ومع ان احتمالات التصعيد الواسع عبر اقحام الجنوب في المواجهة الشرسة الدائرة بين غزة وإسرائيل لا تزال ترتبط بالموقف الميداني والقرار السياسي الاستراتيجي لـ«حزب الله» الذي لا يبدو اقله حتى الان مندفعاً نحو هذا الخيار فان الحذر الكبير ساد المشهد اللبناني وسط ترقب لما يمكن ان تتجه عبره التطورات في الساعات المقبلة.

ولاحقاً، برز تطور آخر، تمثل بتظاهرة نظمها شبان على الحدود الجنوبية تضامناً مع اهل غزة. وقد حاول بعضهم اجتياز الشريط الحدودي. وتوتر الجو، وبادر الجيش الاسرائيلي الى اطلاق النار على المتظاهرين، مما أدى الى استشهاد الشاب محمد طحان وإصابة آخر بجروح.

وقد دان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بشدة الجريمة التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية باطلاقها النار على مجموعة من الشباب المتظاهرين. وطلب الرئيس عون من وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبه ابلاغ الامم المتحدة بالاعتداء الاسرائيلي وما اسفر عنه، تمهيداً لاتخاذ الخطوات اللازمة نتيجة ذلك.

أزمات حياتية

خارج السياق السياسي، جاءت المفاجأة الأصعب من مصرف لبنان الذي اعلن آلية جديدة للدعم، أدّت عملياً الى رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية. وكانت الضربة موجعة جداً في توقيتها، اذ تزامنت مع حلول عيد الفطر، بحيث شعر اللبنانيون بأن احداً لا يقيم وزناً لمشاعرهم وظروفهم. واعتبر كثيرون ان الخطوة التي يتم تأجيلها من شهر الى شهر منذ ما يقارب السبعة اشهر، كان حري بمصرف لبنان ان يؤجلها 4 أو 5 أيام لتمرير العيد على الأقل. ومع الواقع الجديد، ارتفعت اسعار اللحوم والمواد الاستهلاكية الاساسية بشكل كبير يتماهى مع نسبة انهيار الليرة. وهكذا اصبحت قدرات المواطنين الشرائية معدومة، وبات خطر الانفجار الاجتماعي والامني قائما في هذه الظروف.

في الموازاة، عانى المواطن من شحٍ في مادة البنزين، اذ لم توزّع محطات عدّة الوقود للمواطنين، وهي تابعة لشركات لم تفتح اعتماداتها بعد من قبل المصرف المركزي، في حين حرصت المحطات التي فتحت أبوابها، على تعبئة البنزين بمبلغ 20 ألف ليرة كحدّ أقصى لكل سيارة.

وامتدّت أمامها طوابير السيارات، متسبّبةً بازدحام السير على الطرق المجاورة.
وفي المعلومات، ان خطة «ترشيد الدعم» وإصدار بطاقة تمويليّة، التي تعمل عليها حكومة تصريف الأعمال، قد تلقى المصير نفسه الذي واجهته خطّة «الإصلاح المالي». فالقوى السياسية، الممثلة داخل مجلس الوزراء، والتي عقدت اجتماعات عديدة واتفقت في ما بينها على كيفية تخفيض نسبة الدعم للمواد المستوردة، والمبالغ التي ستُعطى للعائلات، تنصّلت من المشروع، علماً بأنّ رئيس الحكومة المستقيلة، حسّان دياب اعتقد أنّه أمّن الغطاء السياسي من الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، قبل أن يمضي باجتماعات مسوّدة «ترشيد الدعم» إلى مستويات مُتقدمة.

التجاذب السياسي في موضوع بهذه الأهمية، سيكون له انعكاس مباشر على المواطنين، الذين يُواجهون رفع الدعم على الاستيراد من دون أي حماية اجتماعية واقتصادية. وبذلك أصبح البلد مكشوفا على كل المخاطر، بما فيها المخاطر الأمنية المرتبطة بالحاجات الاجتماعية والحياتية المفقودة.

هذه الاجواء القاتمة لم تخفف من وطأتها مبادرة مصرف لبنان لافساح المجال امام المودعين سحب بعض الدولارات من حساباتهم بالدولار الحقيقي، خصوصا ان المبادرة ظلت في اطار الوعود وتحتاج الى آلية طويلة قد لا تتوفر ظروف اكتمالها للوصول الى خواتيمها السعيدة.

صورة editor3

editor3