كتب أندريه قصاص:"أرجع لنا ما كان يا دهر في لبنان".
هذه القصيدة للشاعر الياس أبو شبكة تصلح لأن تكون عنوانًا لمرحلة صعبة يعيشها لبنان، بكل قطاعاته الإقتصادية، على رغم أن ما كان قبل هذه الأزمة، والذي أوصل إليها، لم يكن كما يتمنى الشاعر، وهو الذي تحدّث في قصيدته عن أيام الخير والبركة، حيث قيل في ذاك الزمان "نيال مين عندو مرقد عنزة في لبنان".
ما كان في لبنان، منذ ثلاثين سنة حتى اليوم، لم يكن في المطلق مؤشرًا إلى أننا سوف نكون على خير ما يرام، و"أن التلم الأعوج من التور الكبير"، هو الذي أوصلنا إلى هذا الإعوجاج، الذي تصعب معه محاولات "تجليسه"، تمامًا كذنب الكلب الذي يوضع في القالب مئة سنة ويبقى معوّجًا، أو كمحاولة تقويم المقتاية، وهذا ما تحاول حكومة حسّان دياب القيام به، وهي تقف حائرة أمام هذا الكمّ الهائل من المشاكل والتعقيدات، التي هبطت دفعة واحدة على رأس اللبنانيين، الذين كانوا يعتقدون أنهم محصنون بمجرد أن القطاع المصرفي لا يزال بخير.
إلاّ أن ما حلّ بهذا القطاع من مصائب، مع ما عكسته من تأثيرات مباشرة على المودعين اللبنانيين، الذين إستيقظوا بين ليلة وضحاها على كارثة تهدّد مصير ودائعهم، وهي "تحويشة" العمر، وقد خبأوا فيها قرشهم الأبيض للأيام السود، فأستحال كل شيء أمامهم أسود، مع ما يسمعونه من شائعات كثيرة هذه الأيام، وهي تتعلق بمصير ودائعهم في حال تعثّر المصارف عن سداد ما أودعونه فيه من مدّخرات يلجأون إليها في شيخوختهم، خصوصًا أن لا قانونًا يحميهم من غدر الزمان.
ماذا يسمعون؟
شائعات تقول أن المصارف ستضطر إلى تحويل الودائع بالدولار الأميركي إلى الليرة على أساس سعر صرف الدولار هو 1500 ليرة، بالتوازي مع تحرير سعر صرف الدولار، بحيث يتوقع أن يلامس الـ 5000 ليرة، مما يعني أن من كان يدّخر مثلًا مئة ألف دولار في المصارف سيصبح يملك ما مجموعه تقريبًا ثلاثين مليون ليرة، قياساً إلى سعر صرف الدولار، بعد تحريره بالكامل من أي قيود مصرفية، مع ما يرافق هذا كله من إرتفاع صاروخي لأسعار السلع الإستهلاكية الضرورية، في غياب أي رقابة فاعلة أو أي إجراءات جازمة.
ومع هذا كله يسألون لماذا ينزل الشعب اللبناني إلى الشوارع، ولماذا ينتفض في وجه جميع من أوصلوا البلاد إلى ما وصلت إليه.
نزل اللبنانيون إلى الشوارع خوفًا من الجوع الذي بدأ يدّق أبوابهم، وخوفًا من غدرات الزمان، وخوفًا من الأتي الأعظم.
فإذا كان المسؤولون يدركون مخاطر ما سيواجهه لبنان في المستقبل القريب، وهم غير قادرين على مواجهته، فتلك مصيبة. أما إذا كانوا غير مستوعبين حجم الكوارث فتلك مصيبة أكبر، خصوصًا أن بعض من هم في سدّة المسؤولية لا يزالون يتصرّفون وكأن الأمور بألف خير، وكأن لا شيء يدعو إلى القلق. وهنا لا بدّ من ترطيب ذاكرة البعض عندما خرج البطريرك الراعي مع إجتماع مع رئيس الجمهورية وقال ما معناه إن البلاد مقبلة على حالة إفلاس، فقامت يومها القيامة ولم تقعد، فكان ما كان وحلّت الكارثة، ولا تزال القيامة قائمة عند بعض الذين لا يريدون أن يصدّقوا أن كل هذا يحصل في زمانهم.
المصدر: لبنان 24