لم يحمل معه الاسبوع المنصرم مفاجآت من العيار الثقيل على المستويات كافة، باستثناء الزيارة التي قام بها قائد الجيش العماد جوزف عون الى باريس، والرسائل المتعددة التي بعثت بها فرنسا من خلال طريقة استقبال عون، ونوعية المحادثات التي شهدتها العاصمة الفرنسية.
في المقابل، تحرّك ملف تشكيل الحكومة بخجل وحذر بقيادة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أعاد احياء مبادرته السابقة، على قاعدة الثلاث ثمانات، مع التركيز على ايجاد مخرج يُرضي رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف في مسألة اختيار وزيري العدل والداخلية.
على المستوى الحياتي والاقتصادي، استمر تفاقم الأزمات المستعصية، وسُجلت اول مواجهة علنية بين السلطة السياسية ومصرف لبنان، على خلفية ملف الدعم. ويتوقع أن يتحوّل هذا الموضوع الى مسألة حيوية تستقطب المزيد من المواجهات في الايام المقبلة، بالنظر إلى خطورته وتداعياته المحتملة على الأمن الاجتماعي في البلد. كما سُجل تحرُّك الاتحاد العمالي العام الذي اعلن الاضراب ليوم واحد، فيما استمرت أزمات فقدان الدواء والمحروقات والمواد الغذائية قائمة بنسب متفاوتة.
أخيراً، شهد ملف الدعاوى المُثارة في وجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تطوراً لافتاً، تمثّل بقرار اتخذه المدعي العام التمييزي غسان عويدات يطلب فيه تجميد أموال سلامة ومساعدته وشقيقه رجا، في أوروبا.
قائد الجيش خارج السرب
كان يمكن للزيارة التي قام بها قائد الجيش العماد جوزف عون إلى باريس ان تمر بلا ضجة استثنائية، لو لم تقرر السلطات الفرنسية تحويلها إلى حدث من خلال طريقة الاستقبال، والمواقف التي أُعلنت في خلال المحادثات وبعدها. ولا شك في ان اصرار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على استقبال الجنرال عون، في سابقة نادرة اعتبر بمثابة مؤشّر يحمل في طياته اكثر من رسالة، من أهمها:
اولاً– التنويه بدور الجيش اللبناني بالحفاظ على الامن والاستقرار وعدم الانحياز لأي جهة.
ثانياً– التعامل مع الجيش على أساس انه خارج اي شبهة تطال معظم المؤسسات الرسمية التابعة للدولة.
ثالثاً– اعتماد الطريقة نفسها التي اعتمدت لمساعدة اللبنانيين بعد انفجار المرفأ، لتقديم المساعدات الى الجيش أي انها ستكون مساعدات مباشرة من دون ان تمر بالسلطة السياسية.
من البديهي أن الرسائل الفرنسية أقلقت بعض الاطراف في الداخل، خصوصا من يعتبر نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية، ورأى في مواقف الدعم الدولية للجيش وقائده خطراً داهماً في شأن احتمال توفر دعم دولي لايصال الجنرال عون الثاني الى قصر بعبدا بعد نهاية ولاية الجنرال عون الأول في العام 2022.
على المستوى التقني، عرض قائد الجيش لحاجات الجيش ليتمكّن من القيام بمهماته في ضبط الحدود على أكمل وجه، سيما المساعدة اللوجستية اللازمة لإنشاء ألوية الحدود ووسائل المراقبة الحديثة، من المناظير الليلية والدرون وغيرها، وقد وعد الجانب الفرنسي بدراسة حاجات الجيش العسكرية، اضافة الى تقديم مساهمة مالية تستخدم لدعم رواتب العسكريين لمدة زمنية محدودة ريثما يتخطى لبنان أزمته المالية والاقتصادية، ولكن من دون الكشف عن تفاصيلها.
وعُلم كذلك ان فرنسا تدرس مع الشركاء الدوليين تنظيم مؤتمر دولي، برعاية الأمم المتحدة لتوفير ما يلزم لصمود المؤسسة العسكرية ومواجهة ضغوطات الانهيار المالي والاقتصادي، على ان يُعقد في منتصف الشهر المقبل أو أوائل تموز. ويبحث المؤتمر في توفير المستلزمات اليومية للجيش من طعام وطبابة ومحروقات.
بري يتحرّك حكومياً
في ملف تشكيل الحكومة، وبعد العاصفة في فنجان التي أثيرت على خلفية مناقشة المجلس النيابي للرسالة الرئاسية، تحرّك رئيس المجلس نبيه بري لاحياء مبادرته السابقة لتشكيل حكومة الثلاث ثمانات، مع التركيز هذه المرة على معالجة مأزق حقيبتي الداخلية والعدل. وحسب المعلومات، يسعى بري الى اقناع الرئيس المكلّف سعد الحريري بحمل تركيبة جديدة الى قصر بعبدا تتلاقى وشروط الـ24 وزيرا، والتي لا يرفضها الحريري مبدئياً. وكان بري تحرّك في اكثر من اتجاه، واجرى اتصالات شملت رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة.
لكن مساعي بري ظلت حتى الان بلا نتيجة حاسمة، بانتظار عودة الحريري من الخارج، من دون ان تتوفر معطيات تسمح بالتفاؤل، ولو ان بري نفسه يؤكد ان الأزمة داخلية ولا بد من معالجتها داخلياً وبسرعة قبل الانهيار الكبير.
مواجهة بين السلطة والمركزي
في الملف الحياتي-الاقتصادي المرتبط بموضوع الدعم، انفجرت المواجهة العلنية بين السلطة السياسية ومصرف لبنان. وفي حين تواصل السلطة الاصرار على استمرار الدعم كما هو بانتظار مشروع بديل، يضغط مصرف لبنان لوقف الدعم العشوائي، ويرفض البدء في الانفاق من الاحتياطي الالزامي لديه، والذي يبلغ حوالي 15 مليار دولار.
وفي تطور خطير، فتح وزير الصحة حمد حسن النار على مصرف لبنان منتقداً الآلية الجديدة التي اعتمدها المصرف في موضوع الدعم، معتبراً انه لا يحق للمركزي القيام بخطوات من هذا النوع. وقد جاء ردّ مصرف لبنان لاحقاً قوياً ليفتح المواجهة العلنية مع الحكومة. وقال المركزي في بيان المواجهة والرد، ان فاتورة استيراد الدواء والمستلزمات الطبية تحتاج الى حوالي مليار و300 مليون دولار، وان امواله نضبت ولا يستطيع ان ينفق من الاحتياطي الالزامي بقرار اتخذه المجلس المركزي. وبالتالي، أعلن مصرف لبنان بصراحة انه أوقف الدعم، وان السلطة هي المسؤولة عن معالجة هذه الأزمة.
في غضون ذلك، تواصَلَ فقدان انواع كثيرة من الادوية من الصيدليات وفي المستشفيات، كما حذّرت ادارات المستشفيات من خطر نضوب مادة البنج لديها بما يعرّض حياة المرضى الذين يحتاجون الى عمليات جراحية الى خطر الموت.
في الموازاة، استمر الشح في مادة المحروقات، ورغم الكلام المتفائل قبل ايام، تبين أن الاعتمادات التي تنتظر في مصرف لبنان لم تأخر إقرارها. وبالتالي، هناك مؤشرات على استمرار تفاقم كل الملفات الحياتية في الايام المقبلة.
على صعيد الاجراءات المطلوبة لتخفيف وطأة الأزمة المالية والاقتصادية، لم ينجح المجلس النيابي حتى الساعة في انجاز قانون كابيتال كونترول. وقد عقدت اللجنة النيابية المكلفة بالملف اجتماعا قالت انه ما قبل الاخير، لإنجاز المشروع واحالته إلى المجلس للمناقشة والاقرار. لكن هناك تشكيك كبير في احتمال فشل المشروع، والعودة الى المربع الاول، خصوصاً أن الطرف الأساسي المعني بالتنفيذ، أي المصارف، ترفض بعض البنود الواردة في المشروع. وقد وصف النائب انور الخليل القانون بأنه «سرقة العصر» وقال إن «ما نقوم به اليوم هو باختصار التشريع لإعفاء المصارف إلى حد بعيد ومصرف لبنان من إعادة الودائع بكاملها إلى المودعين وتحميلهم القسم الأكبر من الكارثة المالية».
سلامة مُحاصر؟
الى ذلك، سجّل ملف الدعوى على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في سويسرا بشبهة الافادة من تحويل اموال من المركزي الى حساباته الخاصة، تطوراً لافتاً تمثل بارسال المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، عبر وزارة العدل طلبات إلى السلطات القضائية في كل من سويسرا وفرنسا وبريطانيا، يطلب فيها تجميد أموال رياض ورجا سلامة ومساعِدة الأول ماريان الحويك، إضافة إلى الحجز على جميع ممتلكاتهم، لمصلحة الدولة اللبنانية.
هذا الخبر الذي نقلته صحيفة يومية لبنانية شكّل حدثاً له مدلولاته. واعتبرت الصحيفة، أن «طلب الحجز على أموال الشقيقين سلامة والحويّك وممتلكاتهم، مردّه إلى الاشتباه في أنها أموال مُختلسة من مصرف لبنان، بقرار من رياض سلامة، جرى تبييضها عبر مصارف في سويسرا وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية. كذلك يُشتبه في أن الأموال المختلسة جرى استخدامها بعد عمليات تحويل معقّدة لشراء عقارات في عدد من الدول، وهو ما دفع بعويدات أيضاً إلى طلب الحجز على جميع ممتلكات الثلاثي».