تحت عنوان "الأميركيون يفتقدون الشركاء الأقوياء في لبنان" كتب بيير غانم: هناك خيبتان في واشنطن، الأولى في صفوف الإدارة الأميركية، والثانية في صفوف اللبنانيين الذين يعوّلون على واشنطن. فالانتخابات النيابية اللبنانية لم تفرز واقعاً جديداً ولم يتمكّن اللبنانيون من فتح ثغرة أو طريق لإطلاق لبنان في اتجاه يبعده عن سطوة "حزب الله" أو يفك ارتباط لبنان بتأرجح الأوضاع الإقليمية.
1559 و1701
لقد شدّد الأميركيون كثيراً على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، لكنهم لا يبدون الآن أي استعجال لتأليف حكومة جديدة، بل إن التصريحات الرسمية الأميركية تبدي حذراً مع تشديد إضافي على الالتزامات الدولية.
مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية قال إن الولايات المتحدة تأمل أن تبني الحكومة المقبلة بلداً مستقراً وآمناً يلتزم بالسلام ويتجاوب مع متطلبات اللبنانيين ويعمل مع الولايات المتحدة في مجالات الاهتمام المشتركة".
وأضاف المسؤول في تصريحه: "إنه في حين يعمل اللبنانيون على تشكيل حكومة، تتوقع الولايات المتحدة من كل الأطراف أن يعملوا على تمسك لبنان بالالتزامات الدولية، بما فيها ما تضمنّه القراران 1559 و1701، وأيضاً التمسّك بسياسة النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية".
هذه الخطوط العريضة والمطالب البينة تخفي شكوكاً واضحة في قدرة اللبنانيين على الوفاء بالتزاماتهم الدولية، لكنها ترفع سقف الشروط الأميركية على الحكومة اللبنانية المقبلة.
اللبنانيون لا يتجاوبون
في العامين الماضيين، حاولت الولايات المتحدة دفع اللبنانيين إلى تطبيق بعض المطالب، لكنها فشلت.
وكان المطلب الأول التأكد من وقف تسرّب مقاتلي "داعش" عبر الحدود اللبنانية السورية، وقد نجح الجيش اللبناني في ذلك، لكنه فشل في السيطرة أو محاولة السيطرة على تحركات عناصر "حزب الله" عبر الحدود اللبنانية السورية، ولم يبدِ اللبنانيون أي نيّة لفرض بعض الانضباط على عناصر وضعها الأميركيون على لائحة التنظيمات الإرهابية منذ عقدين.
وجاءت المحاولة التالية عبر أفكار طرحتها مجموعة من الناشطين اللبنانيين والمؤيدة لإدارة الرئيس دونالد ترمب. قامت الفكرة على إنشاء "مناطق بدون حزب الله في لبنان" يسيطر عليها الجيش اللبناني وقوات الأمن اللبنانية، وقد وجّه "التحالف الأميركي الشرق الأوسطي من أجل الديموقراطية" رسالة بهذا المعنى إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، على أمل أن تضع الإدارة هذه الخطة على الطاولة وتحاول تطبيقها مع الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني.
وتأمّلت هذه المجموعة خيراً، خصوصاً أنها قدّمت الرسالة بعد محادثات مكثفة مع مسؤولين في الإدارة ومستشارين قريبين من الرئيس الأميركي دونالد ترمب. لكن حماس الأميركيين للفكرة فتر بسرعة، وطلب وزير الخارجية من السفير دايفيد ساترفيلد مساعده لشؤون الشرق الأدنى توجيه رسالة نيابة عنه في الأول من حزيران الماضي لأصحاب الرسالة، يذكّر فيها اللبنانيين بتطبيق مضمون القرارات الدولية 1559 و1701 ويؤكد فيها على متابعة التعاون مع الجيش اللبناني.
لكن الرسالة لم تذكر فكرة "مناطق بدون حزب الله في لبنان" أو أي شيء من هذا القبيل.
المطلب الثالث للحكومة الأميركية كان حول لجم نشاطات حزب الله في مساعدة الحوثيين في اليمن، فالطرفان يتلقيان الدعم من إيران، والحوثيون يستعملون لبنان لإدارة نشاطاتهم الإعلامية، وتلقي التدريبات العسكرية، كما يسافر عناصر حزب الله من لبنان إلى اليمن لتوفير الدعم الميداني للحوثيين.
هذا المطلب لم يجد أيضاً أي تجاوب من الحكومة اللبنانية، وجاءت رسالة وزير الخارجية اليمني إلى نظيره اللبناني حول هذه القضية مؤشراً لفشل الجهود الأميركية العربية في تلقي دعم الحكومة اللبنانية.
بانتظار العقوبات
الآن، ينظر الأميركيون بخيبة إلى الوضع في لبنان، ولا يتردّد مسؤولون في الإدارة الأميركية في إبداء هذه الخيبة، فهم حاولوا إيجاد شركاء في لبنان على أمل أن يصلوا إلى أهدافهم، لكنهم الآن يقولون إنه لا شركاء لديهم في لبنان، وليس هناك طرف أو مجموعة سياسية كبيرة الحجم يستطيعون التعاون معها للجم حزب الله.
ووصل الأميركيون إلى قناعة أخرى تقوم على ضرورة العمل بـ "الموجود"، ووضع بعض الخطوط الحمر على أمل أن لا يتخطاها اللبنانيون. في حين لا يبدي الأميركيون استعجالاً في تشكيل الحكومة، فقد أبلغوا اللبنانيين أنهم لن يتعاونوا مع أي وزارة يشرف عليها "تنظيم إرهابي"، فيما يشير الأميركيون إلى تعاونهم مع وزارات تتلقى الدعم من الحكومة الأميركية مثل وزارة الدفاع، والداخلية، وبعض الوزارات التي تتلقى مساعدات من الوكالة الأميركية للتنمية.
(بيير غانم ـ العربية)