لعلها تغفو على كتف الشاطئ ، لعلها تنام فهي مثقلة بالهموم ، تشكو الألم ، الجوع والظمأ...
طعنها أحدهم في خاصرتها فسبب لها نزفاً كبيراً، لا يليق بعدوٍ أو حبيب.
فكيف بها وهي الحبيبة بيروت عروس المتوسط الفاتنة المدللة ، زينة العواصم ، مدينة الشرائع والألوان والحياة والحضارة والعراقة والتلاقي والحوار... وكل وصفٍ جميل أطلق على بقعة جغرافية في بقاع الأرض...
فكيف ببيروت أبنة السبعة الاف عام الطفلة الباسمة بوجه الشمس، العروس التي طرز فستانها الزمان بأبهى حلة وأجمل ألوان.
زينة العواصم الخالدة ، التي كانت وستبقى على قيد الحياة لا على قيد الموت .
فكيف بيروت الحاضرة الهامة بين حاضرات المدن والبلدان، أيقونة الحب والحياة ،فاطمة الزهراء ومريم العذراء ومشكاة النور ، الشمس التي لا تغيب والأمل الذي لا يخيب ، العراقة والتاريخ الضارب بعمق الزمان ،فرادة الجغرافية والديموغرافية والسحر الأزلي والمستقبل الأتي لا محال.
طائر الفينيق التي حُرقت ودُمرت لمراتٍ ومرات وعادت الى مسرح الحياة لأنها بحد ذاتها حياة والى قيدها ستعود ، لن تبقى على قيد الموت .
لا شك أن الكارثة التي ألمت بالحبيبة بيروت كارثة تعجز عن وصفها الصور والكلمات ، لا شك أنها كارثة العصر التي سببت بجرح الالاف وشردت الأهالي وتسببت بالخسائر المادية التي لم تحدد قيمتها بعد نظراً لكبر حجمها، الكارثة التي اسفرت عن استشهاد المئات من مفقودي الأثر وممن وجدت جثامينهم وارتقوا شهداء برتبة وطن ، مجاهدين باحثين عن قوت عائلاتهم ، رافضين الذل والهوان ...
الكارثة وقعت ولا يسعنا إلا أن نطلب الرحمة للشهداء ولذويهم الصبر والسلوان والشفاء العاجل للجرحى، ونطالب بإنزال أقصى العقوبات على القتلة المستهترين ، لنحاسب الجناة ونعلق المشانق وليكن الحساب بحجم الكارثة وعلى أرضها.
المضحك المبكي أن الجناة ومن دون قصد أخفضو من مستوى الكارثة بسبب سرقتهم لأكثرمن 2500 طن من نتران الأمونيا التي كادت أن تدمر عاصمة الحياة بالكامل، فالدمار الهائل الذي سببه الإنفجار وبحسب رأي خبراء المتفجرات حدث بنسبة 20%فقط من قوته ، حيث أن نسبة 60%من عصفه ذهب في البحر و20%صدته إهراءات القمح.
رب ضارة نافعة، فمن رحم المعاناة تولد الفرص، لنخرج من الأزمة أو الكارثة أكثر قوة وأكثر تعلقاً بالوطن ، لن نترك وطننا بين أيدي الفاسدين المتاّمرين، الطغاة الطامعين، ونعزز محبتنا لأهلنا في الدول العربية وغير العربية دون استثناء، ونقدم بطاقات الشكر والإمتنان لكل من ساندنا في مصابنا ووقف الى جانبنا .
لنستفد من تكاتفنا حول عروسنا ، لننبذ الفتنة وندافع عن أرضنا ونحاسب الجناة ونعلق المشانق .