إبراهيم الأمين-
المدّعي العام في سويسرا أكّد، أمس، طلبه مساعدة قانونية من السلطات اللبنانية للتحقيق في الاشتباه بقيام مصرف لبنان بعمليات غسل أموال واختلاس. الطابة حالياً في ملعب السلطات اللبنانية، السياسية والقضائية وهيئة التحقيق الخاصة، التي عليها أن تحسم إن كانت سترفع الغطاء عن الحاكم رياض سلامة، أو تستمر في توفير الحماية له.
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وشقيقه رجا سلامة، ومُساعدته ماريان الحويّك، «مُشتبه بهم» من قبل السلطات السويسرية، بالقيام بحوالات مصرفية يصل مجموعها إلى نحو 400 مليون دولار. المعلومة نشرتها «الأخبار» أول من أمس، وأكّدها المدّعي العام في سويسرا في بيانٍ أصدره أمس. إذ كشف مكتب المدعي العام أنّه «طلب مساعدة قانونية من السلطات اللبنانية لإجراء تحقيق بعد الاشتباه في قيام مصرف لبنان بعمليات غسل أموال واختلاس». وبحسب البيان، فإنّ التحقيق انطلق عقب «تقارير إعلامية حول التحويلات المالية»، رافضاً الكشف عن تفاصيل إضافية.
ونقلت وكالة «أ ب» أنّ التحقيق السويسري بدأ أيضاً «بطلب من الحكومة اللبنانية التي تبحث في خروج مليارات الدولارات من لبنان في الفترة التي تلت منع المصارف التحويلات المالية إلى الخارج». التحقيق السويسري لن يتوقّف عند حدود المصرف المركزي، بل سيتعدّاه إلى المؤسسات التابعة له، كبنك التمويل وشركة طيران الشرق الأوسط وبنك إنترا وكازينو لبنان.
من المفترض أن يُحوّل عويدات القضيّة إلى هيئة التحقيق الخاصة في «المركزي»
وقبل أن تؤكّد السلطات السويسرية معلومات «الأخبار»، كان رياض سلامة قد أدار صباح أمس جوقة المُدافعين عنه (المُنتفعين منه) لبنانياً، من قنوات إعلامية وفي مقدّمها الـ«أم تي في» وعدد من المواقع الإلكترونية، مُسوّقاً لوجود «مؤامرة» تُحاك ضدّه، في محاولة لتفريغ الخبر من أهميته.
لكنّ النفي أتى بطريقة «ماكرة»، فلم يذكر الحاكم أو «الكومبارس» المُرتبط به طلب سويسرا التحقيق قضائياً في عمليات «المركزي»، بل تجاهله مُصوّباً على أنّه لم يقم (ولا شقيقه ولا مساعدته) بتحويلات مالية إلى الخارج.
ورغم أنّ وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال، ماري كلود نجم، كانت قد كشفت أمس لوكالة «رويترز» أنّها «تسلّمت طلب تعاون قضائي موجّهاً من السلطات القضائية في سويسرا، وسلّمت الطلب إلى النائب العام التمييزي لإجراء المقتضى»، أصرّت قناة المرّ على تلميع صورة سلامة، ناقلةً عن «مصادر مالية» أنّ «لعبة مكشوفة خاضتها جريدة الأخبار وتم توريط وزيرة العدل فيها، لأنّ مُهندس التسريب كما مُهندس التوريط مع خبر وكالة رويترز هو واحد تُشير إليه أصابع الاتهام بوضوح، وهو نائب حالي وأمني سابق تحوم حوله شبهات مالية كثيرة».
وأوحى التقرير بأنّ واحداً من أهداف «استهداف» سلامة هو «محاولة تركيب نظام مصرفي ممانع بديل»، واستخدام هذه الجملة في نهاية التقرير/ البيان لم يأت عن عبث، بل كجزء من «تسويق» سلامة لنفسه لدى «حلفائه» الغربيين بأنّه لا يزال حامي مصالحهم في لبنان، ويجب أن يؤمنوا له الغطاء.
وكان سلامة قد أصدر بياناً باسم وحدة الإعلام والعلاقات العامة في مصرف لبنان، «يُطمئن» فيه إلى أنّ «كلّ الادعاءات عن تحاويل مالية مزعومة قام بها إلى الخارج، سواء باسمه أو باسم شقيقه أو باسم معاونته، إنّما هي فبركات وأخبار كاذبة لا أساس لها وستكون موضع ملاحقة قضائية بحقّ كل من نشرها وينشرها بقصد التمادي في الإساءة».
ولم يصدر ليلاً أي موقف عن الحاكم، يوضح فيه ما إذا كان سيشمل في «ملاحقته القضائية»، النيابة العامة السويسرية أيضاً! وأكد البيان التزام سلامة «بالقوانين اللبنانية والدولية المرعيّة الإجراء، وأنه يتعاون مع جميع الحريصين على لبنان ووضعه المالي والمصرفي في الداخل والخارج».
القصة تتفاعل في الساحة الداخلية، من دون أن يظهر بعد التوجّه العام للتعامل مع القضية. من جهته، الرئيس العماد ميشال عون وفريقه السياسي، كما رئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب، «مُرتاحون» إلى مسار الأمور وطلب التحقيق السويسري، بعدما فشلت كلّ محاولاتهم في «ضبط» سلامة وإجراءاته وقراراته. في حين أنّ الفريق السياسي الراعي لسلامة، يبحث عن طريقة لـ«فكّ الحبل» عنه، وستظهر نتيجة جهودهم في المسار القضائي. فبعدما وصلت المراسلة القضائية السويسرية إلى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، من المفترض أن يُحوّلها إلى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، كونها قضية اختلاس وتبييض أموال (44/2015، قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب).
وهنا مكمن الخطر من تمييع القضية. فرئيس الهيئة ليس إلا سلامة نفسه، لكنّه في 26 تشرين الثاني 2020، فوّض نائبه الأول وسيم منصوري ترؤس اجتماعات الهيئة بشكل دائم عنه («الأخبار»، عدد 17 كانون الأول 2020). الصلاحيات الواسعة التي منحها سلامة لوسيم منصوري أتت تلبيةً لمطالب الجهات التي تتبادل الحماية مع سلامة. فهل سيتعاون منصوري مع القضاء؟
عنوان المرحلة المقبلة سيكون زيادة الضغوط... والعقوبات، التي باتت دول أوروبية حاملة رايتها، وتحديداً فرنسا وبريطانيا. ملفّ العقوبات سيأتي بذريعة «مكافحة الفساد»، ولن يكون محصوراً بعقوبات وزارة الخزانة الأميركية و«محاربة الإرهاب».
نجم الحاكم يأفل في الإعلام الغربي
سطوة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لا تنحصر في وسائل الإعلام اللبنانية، فهو كان أيضاً، لسنوات طويلة، «نجماً» في وسائل الإعلام الغربية، كجزء من الدعم الذي كانت توفّره الحكومات الغربية له، على اعتبار أنّه «وديعتها» النقدية الأهم في البلد.
منذ أشهر، بدأ يُلاحظ تبدّل في تغطية أخبار «الحاكم»، كالتقريرين اللذين نُشرا في «لو موند» الفرنسية و«وول ستريت جورنال» الأميركية التي تحدّثت عن احتمال فرض عقوبات أميركية على سلامة. استُكمل الأمر بالتغطية أمس، فكان عنوان «تحقيق سويسري في مصرف لبنان المركزي» مشتركاً في أبرز الصحف الأجنبية. وكتبت «بلومبرغ» تقريراً تحدّثت فيه عن فتح المدعي العام السويسري «تحقيقاً في غسل أموال مرتبط بشبهة اختلاس قام بها المصرف المركزي اللبناني، وهي المؤسسة التي تقع في صلب أسوأ أزمة مالية تمرّ على البلاد منذ عقود».
من جهتهما، نقلت وكالتا «أسوشييتد برس» و«رويترز» البيان الصادر عن مكتب المدعي العام السويسري، بالإضافة إلى بيان سلامة الذي نفى فيه الخبر.
أما «فايننشال تايمز»، فاعتبرت أنّ التحقيق القضائي السويسري يأتي «بعد فترة طويلة من التدقيق في عمل سلامة، الذي أُشيد سابقاً بفطنته المالية، واستقرار الأوضاع المالية في البلد لا سيما من خلال ربط الليرة بالدولار ما خفّض من تكلفة الواردات، فيما يتعرّض اليوم للانتقادات بسبب طريقة إدارته للبنك المركزي».
وسرد التقرير القيود المصرفية خلال السنة المنصرمة، وكيف تحوّلت أوضاع الناس المعيشية، ونقل عن «مسؤول في السرايا الحكومية» أنّ حسّان دياب «علم بالتحقيق السويسري أمس من وزيرة العدل». وذكّر بأنّ لبنان بحاجة إلى المساعدة المالية، «لكنّ المانحين، بمن فيهم فرنسا، يريدون أولا التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان».
الأخبار