يستمر الكباش السياسي بين الأفرقاء السياسيين اللبنانيين المعنيين في تشكيل الحكومة، وهذا الكباش وإن كان يتخذ من توزيع الحصص وعدد الوزراء لهذا أوذاك، المعضلة الكبرى، إنما وراء الأكمة ما وراءها، فما هي حكاية العقد وما هو المطلوب لحلها؟ أسئلة يطرحها السذج من الناس ونحن منهم، إذ إن القول وتأكيد البعض أن الأزمة محض داخلية يراد منه استغباء السواد الأعظم من الناس، وجعلهم يصدقون أن الخارج كل الخارج يريد مصلحة لبنان واللبنانيين. وهنا يردد بعض الخبثاء بعض ما كانوا يسمعونه من مفردات خلال الحرب، وفترة عدم الاستقرار الأمني، ففي كل مرة كان بعض سفراء الدول الكبرى يشددون على مبدأ احترام سيادة لبنان والحفاظ على حدوده، كانت إسرائيل تقوم باعتداءاتها غير آبهة بالتطمينات أو بالضغوط الدولية لا فرق. فهل من قبيل المصادفة أن يتفق فريقين سياسين على الأقل على فرض شروطهما التعجيزية على الرئيس المكلف؟ وما حكاية تشديد الجميع في الخارج والداخل على ضرورة احترام نتائج الانتخابات النيابية؟ ولماذا لا يحترم الأفرقاء المحليين المؤيدين، إن لم نقل التابعين، لهذا الفريق الخارجي أو ذاك نتائج الانتخابات؟
العودة إلى المربع الأول
فجأة ودون سابق إنذار، وبعد أن كان الحديث يدور حول الحصص، عاد بعضهم لترداد مقولة أنه لا يحق لفخامة رئيس البلاد أن يكون له حصته في الحكومة العتيدة، وبالتالي فبدلا من أن تتقدم الأمور إلى الأمام ها نحن نعود إلى المربع الأول ليعود البحث حول مبدأ التأليف، ويعود البحث إلى المسلمات التي كنا قد اعتقدنا أن البحث فيها أصبح من الماضي، وأن صلاحيات الرئيس ومكتسباته خط أحمر لا يجوز المس بها ايا تكن الدوافع والأسباب، سيما وأن الفريق الذي يطالب بحرمان الرئيس من حقائبه هو نفسه من يطالب بتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية، ويعتبر نفسه في نفس الخندق مع العهد.
من يقول أخ أولاً
لقد بات واضحا أن اللعبة تجاوزت الحدود الداخلية، وإن ما يجري في الإقليم ستكون له تداعياته في الداخل اللبناني، ويمني البعض نفسه أنه وأمام احتمال فشل مشروعه في المنطقة وتحديدا في سوريا التي باتت على قاب قوسين أو أدنى من الحل والاستقرار وتثبيت سلطة الدولة، يريد أن يستعيض عن ذلك بمكتسبات سياسية في لبنان، بعد أن سقط منطق الفوضى الداخلية، وبعد أن أصبح الإستقرار السياسي والأمني في وطن الأرز ليس فقط حاجة داخلية إنما حاجة إقليمية لا بل دولية. لقد سهى عن بال البعض أن لبنان لم يعد يشكل فرق عملة يستعاض به عن مكسب هنا أو خسارة هناك. وإذا كان البعض يفكر بطي ذراع الرئيس، أو إفشال العهد لكي يطفىء حلم اللبنانيين كل اللبنانيين برئيس قوي حر قراره نابع من ذاته وشعبه، فإن تفكيره سيذهب أضغاث أحلام. فليس العهد ولا الرئيس هو من سيقول أخ أولا، ففخامة الرئيس يمارس صلاحياته كل صلاحياته بغض النظر عن وجود حكومة تصريف أعمال، لا بل أن هذه الصلاحيات تتعزز سيما بوجود مجلس نيابي شرعي، فإذا كانت حكومة تصريف الأعمال مقيدة الصلاحية فإن هذا المبدأ لا ينطبق على الرئيس.
الولادة المتأخرة
قد يستطيع تعنت البعض تأخير الولادة إنما ليس إلى ما لا نهاية، وإن الدلع السياسي للبعض في تكبير حصته لن تجد في النهاية الآذان الصاغية والدعم المطلوب، وإن الأيام القادمة ستكون بالتأكيد حبلى بالمفاجآت، وإن من اعتمد على الخارج سيجد نفسه أن هذا الخارج قد تغير وذلك تبعا للآولويات وأجندات سياسية لا دخل للبنان فيها لا من قريب ولا من بعيد.
(حبيب البستاني-تيار )