كتب أنطوان فرح في صحيفة "الجمهورية" تحت عنوان "الليرة... الحقيقة بلا رتوش": "توقيت وخيارات. كلمتان تختصران الوضع المالي والاقتصادي في البلد اليوم. في الأيام القليلة الماضية، باشرت المصارف محاولاتِ جذبِ دولاراتٍ من الخارج بفوائد مرتفعة. فهل لا يزال مبدأُ شراء الوقت مُجدياً، وما هي الأسلحة المتبقّية التي يمكن إستخدامُها في المستقبل القريب؟
لم يعد خافياً على أحد أنّ السوق باتت متعطّشة الى حفنةٍ من الدولارات. نظرياً، يتجاوز حجمُ الودائع المصرفية على الورق الـ170 مليار دولار، وفعلياً، حجمُ السيولة بالعملات التي لا تزال متوفرة لتمويل الدولة وحدها، (القطاع الخاص خرج من معادلة الإقراض) أصبح متدنياً الى حدٍّ أنّ المودعَ العادي بات يشعر بمقدار الحواجز التي تحول دون حصوله على دولارات من المصرف عندما يحتاجها.
مَن يراجع نسبَ نموّ الودائع المصرفية في خلال 15 سنة، يستطيع أن يدرك دقة الوضع الذي وصل اليه الوضعُ المالي العام. بين 2003 و2013 (10 سنوات) بلغ معدل نسبة إرتفاع الودائع 11,59%. في المقابل، تراجعت هذه النسبة بين 2014 و2018 (5 سنوات) الى 6,4%. هذا يعني أنّ نموَّ الودائع السنوي، والذي يُعتبر المصدر الرئيسي لتمويل الاقتصاد بشقّيه الخاص والعام، تراجع في السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 48% مقارنة مع الحقبة السابقة.
مع الاشارة الى أنّ نسبَ التراجع في 2017 و2018 كانت نافرة أكثر من السنوات الثلاث الاولى من حقبة السنوات الخمس الأخيرة. وجاءت الصدمة الأقوى في الفصل الاول من 2019 حيث تبيّن أنّ نسبة نموِّ الودائع أصبحت سلبية، بمعنى أنّ حجمَ الودائع لم يعد ينمو، بل يتراجع. وهذا يؤشّر طبعاً، الى تراجع تدفّق الودائع، والى استمرار خروج الأموال من البلد.
هذا الواقع يفسّر الأسبابَ التي أدّت الى ارتفاع العجز في ميزان المدفوعات الى مستويات قياسية مُقلقة. وهذا يفسّر أيضاً الأسباب التي دفعت المصارف الى قرار جذب دولارات من الخارج بكلفة تصل الى 14% سنوياً. هذا الامر يعني عملياً، أنّ المصارف «تستورد» أموالاً لا يمكن إستخدامُها في الاقتصاد الوطني، لأنّ كلفتها أعلى بكثير من معايير الاستثمار، أيّاً كان نوع هذا الاستثمار. وبالتالي، هذه الأموال لن تُستخدم سوى في زيادة الاحتياطي المالي في مصرف لبنان للدفاع عن سعر النقد الوطني".