خطوة جزائرية مفاجئة للتطبيع مع اسرائيل، فهل تكون التالية نحو جارتها المغرب
كتبت د. آمال جبور
يرى متابعون أن تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون باستعداد الجزائر " لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في اليوم ذاته الذي تكون فيه دولة فلسطينية كاملة السيادة" تعد تحوّلا ملحوظا عن المواقف السابقة للجزائر تجاه اسرائيل .
ويرون ان تصريحاته تلك قبل ايام مع الصحيفة الفرنسية "لوبينيون ، فاجأت المجتمعين العربي والجزائري بأطيافه السياسية والشعبية المختلفة، لتناوله التطبيع المشروط مع اسرئيل، بعد تاريخ جزائري حافل من المواقف المناهضة للمشروع الصهيوني وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني، ورفضها المعلن للتطبيع وللاتفاقيات الابراهيمية، مما يعكس تناقضات في السياسةالخارجية والداخلية للجزائر تجاه القضيةالفلسطينية؟ وتساءلت اطراف عدة: هل تصريحات تبون تحول جديد في مسار الجزائر الدبلوماسي، أم مناورة سياسية أمام المجتمع الدولي تمنحها مساحة دبلوماسية اوسع للتكيف مع المتغيرات الاقليمية التي تدفع المنطقة الافريقية لترتيبات جديدة، بوجود منافسين دوليين واقليميين، يحاولون تأكيد نفوذهم في الشمال الافريقي كروسيا والصين وتركيا وامريكيا وفرنسا التي تحاول إعادة تشكيل نفوذها في القارة الإفريقية بعد توتر علاقاتها مع بعض الدول الافريقية اخيرا
ولا يمكننا الحديث هنا عن هذا التحول أو المناورة في السياسة الخارجية للجزائر اذا صحت القراءة، بمعزل عن قضايا اخرى تطال الجزائر دوليا واقليميا وتعمل على انزلاقها أوعزلتها في ملفات، كالتحديات الأمنية في القارة الافريقية المثقلة بنزاعات إقليمية ودينية وعرقية، وظهور نماذج للتمرد وحركات انفصالية على حدودها تتجاذبها فواعل مختلفة، و قضية أخرى تتسارع وتيرتها مع جارتها المغربية على اهم ملف خلافي بينهما حول"الصحراء المغربية" مما يفتح بابا للتساؤل فيما اذا كان هذا التحول في السياسة الخارجية للجزائر قد يعيد تشكيل العلاقات الجزائرية - المغربية المتوترة منذ عقود، خصوصا ان مسألة" التطبيع " كانت من ضمن مبررات الجزئر لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع جارتها المغربية سنة 2021؟
وتناولت تصريحات تبون العلاقات الجزائرية الدولية والاقليمية، وتوقف مطولا عند ملف"الصحراء المغربية" كأهم ملف خلافي أثقل العلاقات الجزائرية - المغربية منذ اكثر من 40 عاما، وما زالت عالقة ضمن تصريحاته نحو الجارة المغربية التي مدت يدها في اكثر من مناسبة لاصلاح العلاقات الثنائية، وانعكاساتها اذا حدثت الاستدارة ليس على واقع الشمال الافريقي فقط ، بل على واقع جديد يتشكل في الشرق الاوسط، كواقعين لا يمكن فصلهما عن بعضهما بوجود القوى والفواعل الكبرى نفسها المنفردة والمتحالفة بديناميكياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية ومآلاتها على مستقبل الشعوب العربية وقضاياه، كون المغرب والجزائر دولتين لهما ثقلهما في الخريطة السياسية الاقليمية والدولية.
لكن هذا الملف الخلافي والمتراكم منذ عقود اوقد وتيرة التوترات بين الجارتين على المستوى السياسي والدبلوماسي والشعبي ايضا، خصوصا بعد اعترافات دولية واقليمية متتالية للمبادرة المغربية، أخرها اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على صحرائه، والذي شكل أزمة سياسية ودبلوماسية بين فرنسا والجزائر بملفات عدة.
وبينما يتخذ الموقف الرسمي في الرباط منذ سنوات سياسة الهدوء والتأني ازاء تصريحات جارتها إزاء كل حدث، فان الجزائر تتخذ منطقا آخراعرب عنه تبون للصحيفة الفرنسية "لوبينيون" بأن الجزائر ما زالت" حتى الآن في منطق رد الفعل، وليس الفعل مع المغرب" في جوابه حول موقف الجزائر من اهم ملف خلافي وهو " الصحراء المغربية" كونها "قضية استعمار ويجب تصفيته مهما طال".
وانتقد تبون ايضا في تصريحاته التي استند فيها إلى التاريخ المغربي الجزائري بعد الاستقلال، السياسة المغربية قائلا" المغرب اول من اعتدى على وحدتنا الترابية بعد 9 اشهر فقط عقب استقلالنا وقد اسقط اثر اعتدائه علينا علينا 850 شهيداً" مضيفا ان المغرب" كان دوما ذو عقلية توسعية، بدليل أنه لم يعترف بموريتانيا الا عام 1972" وان المغرب اول من فرض تأشيرة على الجزائريين عام 1994، لكنه ختم تصريحاته برسالة ود للشعب المغربي" علينا وضع حد لهذه الوضعية يوما ما...الشعب المغربي شعب شقيق يستحق الأحسن".
بالتالي يفهم من تصريحات تبون أنه مازال يستحضر خلافات الماضي المرتبطة بوقت خروج الاستعمار الاوروبي من الشمال الافريقي وتحالفات الحرب الباردة في الشمال الافريقي، وما خلفتهما من ألغام حدودية وسياسية واجتماعية وثقافية استنزفت روابط الأخوة والتاريخ المشتركة بين الجارتين، وان استمرار وقوف الجزائر عندها إلى اليوم تشير حسب متابعين الى عدم قدرة الجزائر على تجاوز الماضي بملفاته الممتدة الى اليوم وما زالت متمسكة بخطابها المتشنج نحو جارتها المغربية وتمريره عبر أجيالها في كل مناسبة وحدث، حال ذلك حسب مراقبين، دون تكييف سياستها مع التطورات الدولية والإقليمية التي تنهج مؤخرا مبدأ تصفير المشاكل والخلافات مع شركائها، فكيف اذا كان الشريك الاقرب جغرافيا ويحمل روابط الاخوة والدين واللغة والمصير المشترك والتي وصلت درجة خلافاتهما الى استمرار اغلاق الحدود منذ عام 1995 بالرغم من دعوة الملك محمد السادس مؤخرا و في مناسبات وطنية عدة بضرورة تطوير العلاقات بين البلدين، وتأكيد على أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أيّ شر أو سوء، وكذا الأهمية البالغة التي نوليها لروابط المحبة والصداقة والتبادل والتواصل بين شعبينا، ونسأل الله تعالى أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فـتح الحدود بين بلدينا وشعبينا الجارين"
وبالتالي فان عدم استغلال الجزائر للآن فرصة اليد الممدودة من جارتها لتسوية خلافاتهما، وتعزيز العلاقات بينهما كحصن تنكسر عليه كل المؤامرات الخارجية، يضع الجزائر في خانة التأويلات التي تستغل الخلافات بين الجارتين الشقيقتين، خصوصا بعد المرونة التي أبدتها الدبلوماسية والسياسة الخارجية الجزائرية نحو التطبيع المشروط مع اسرائيل.
صحفية وكاتبة اردنية