التبويبات الأساسية

حسين زلغوط – خاص “رأي سياسي”:

لبنان على موعد يوم الأحد المقبل مع انطلاق عجلة الانتخابات البلدية في مرحلتها الأولى، وسط حماسة لافتة من المرشحين، مقابل رغبة واضحة من قبل الناخبين في التغيير، من خلال ضخ دمٍ شبابي في المجالس البلدية. وهذا ما يُتوقّع أن يكون عليه الحال في الانتخابات النيابية في أيار من العام المقبل، إذ إن مزاج الناس لم يبقَ على ما كان عليه قبل بضع سنوات. فالناس لم تعد تلتفت إلى الشوارع التي تُعبَّد على عجل، لأنها باتت تعلم أن ما تراه اليوم ليس سوى “شُغل” مرحلي سرعان ما يزول مع إقفال صناديق الاقتراع وصدور نتائج الاستحقاق، سواء أكان نيابيًا أم بلديًا أو اختياريًا. الناس تريد من يؤمّن لها حياة كريمة، ويحول دون هجرة أولادها إلى الخارج.

تنطلق الانتخابات البلدية يوم الأحد المقبل للمرة الأولى منذ آخر انتخابات جرت في عام 2016، وهي تأتي بعد سلسلة من التأجيلات والتعديلات التي جعلت المجالس البلدية ممدَّدة الولاية، بعد انتهاء ولايتها الأساسية في عام 2022، في وقتٍ كان عدد كبير منها منحلاً أو معطلاً، ما جعل الكثير من البلدات تعيش فراغًا إداريًا وخدماتيًا لسنوات.

والملاحظ أن هذه الانتخابات تُجرى هذه المرة وسط شبه إجماع سياسي غير معتاد على ضرورة عدم التأجيل، مع العلم أن الأجواء التي كانت سائدة وقت المطالبة بالتأجيل في السنوات السابقة كانت أفضل بكثير مما هي عليه اليوم، وكانت القوى السياسية تتلاقى، كلٌّ وفق حساباته، على المطالبة بعدم خوض غمار هذا الاستحقاق التنموي.

وحده “تيار المستقبل” لا يبدو مهتمًا بما يحصل، بعدما أعلن رئيسه سعد الحريري قبل أسبوعين عن عدم خوض الانتخابات البلدية في كل المدن والبلدات اللبنانية، انطلاقًا من قناعة “التيار” بأن هذا الاستحقاق “إنمائي وأهلي الطابع”، وليس سياسيًا.

ويُشارك في الاقتراع كلّ من بلغ الحادية والعشرين من العمر، شرط أن يكون اسمه مدرجًا على لوائح الشطب، وأن يقترع في مكان قيده الرسمي (رقم السجل).

هذا العام، تأتي الانتخابات البلدية في لبنان في سياق سياسي دقيق، يتّسم بانطلاقة عهد رئاسي جديد وحكومة رفعت شعار الإصلاح، متبنية خطاب القسم باعتباره مشروع عمل. ومن أبرز تحدياتها إعادة تكوين الإدارة اللبنانية، بدءًا من التعيينات الأمنية والمالية والقضائية، وصولًا إلى الإشراف على هذا الاستحقاق البلدي لتجديد السلطات. وخلف مشهد إداري باهت، تشتعل معارك سياسية خفية لا تهدأ.

فالانتخابات البلدية في لبنان هذا العام ليست مجرد استحقاق محلي عابر، بل تُعدّ بمثابة “بروفة” تمهيدية لمعركة أكبر: الانتخابات النيابية المقبلة في العام المقبل، حيث سيسعى كل حزب لتثبيت حضوره الشعبي، وإثبات أن قاعدته لا تزال متماسكة من حوله. وهنا، لا تُقاس النتائج فقط بعدد البلديات التي تفوز بها القوى السياسية، بل بالصورة السياسية التي سترسمها صناديق الاقتراع، والتي ستُستثمَر لاحقًا في سباق التمثيل البرلماني والصراع على السلطة.

غير أن هذه “البروفة” لا تجري على أرضٍ متكافئة. فالمعارك البلدية تشهد تفاوتًا كبيرًا بين منطقة وأخرى، ليس فقط على مستوى الحماوة السياسية، بل أيضًا من حيث الميزانيات والإمكانات المتاحة. هناك بلديات غنية تتمتع بموارد ضخمة وشبكات نفوذ محلية، وأخرى “فقيرة” بالكاد تؤمّن أدنى مقومات العمل البلدي.

صورة editor13

editor13