التبويبات الأساسية

أحبطت التطورات المرافقة لانطلاقة العمل الحكومي كل آمال الراعي، وسرعان ما توقف عمل الحكومة بعد ربط الثنائي "أمل حزب الله" الجلسات بتنحية القاضي طارق البيطار، وأعقب ذلك أحداث الطيونة عين الرمانة. عاد البطريرك الراعي الى تشغيل محركاته، والى عين التينة توجه لتسويق مبادرته التي تقضي بفصل التحقيق مع الرؤساء والوزراء عن القاضي طارق البيطار ليعود مجلس النواب الى الانعقاد و"يا دار ما دخلك شر، فالبلاد لا تحتاج الى مزيد من المزايدات ونحن بأمس الحاجة الى الوقت ووقف الخسائر، التي إذا ما استمرت قد تطيح بلبنان وتذهب بنا الى انفجار كبير على كل المستويات"، وفق ما تؤكد أوساط بكركي.

وساطة الراعي سرعان ما أُجهضت من قبل الأطراف المعنية مباشرة بالتحقيقات، فانكفأ البطريرك الماروني وعاد الى أداء دوره الأسبوعي من خلال عظات يوم الاحد التي مزج فيها الوصف بالعتب وتحميل المسؤولية للمعرقلين، تاركاً ساحة التصفيات السياسية والمحسوبيات لأهلها. وفُهِمَ ان الراعي عاد عن مبادرته بعد رفض جهات مسؤولة بارزة تحركه وردّها عليه عبر الاعلام بالتصويب على المبادرة وتسويق فكرة "المقايضة" بين أحداث الطيونة وتحقيقات المرفأ، ففَهِمَ الراعي أن الامر لا يرتبط بمجلس الوزراء بل بتصفية حسابات بين المعنيين على المستوى الرئاسي.

وبدا بالنسبة الى الراعي أن تواصل بكركي مع الخارج أسهل بكثير من الداخل، ويعود الأمر الى حسابات الأحزاب والقوى السياسية فيما بينها، وتفضيلها ترك الملفات مفتوحة للمقايضة على القطعة الى حين نضوج التسويات الإقليمية المنتظرة بعد الجولة السابعة من مفاوضات الاتفاق النووي. وهنا يُدرك الراعي أن مفتاح الحل في الضاحية لا في المقار الأُخرى، ولكن خطوط التواصل مقطوعة مع قيادة حزب الله، وأي حل قد تطرحه الكنيسة في هذا التوقيت لن يأخذه حزب الله على محمل الجد، لا سيما وأن القيادة في حارة حريك اتبعت سياسة فصل وتفصيل الملفات وتوزيعها على الحلفاء، أما دور بكركي بالنسبة إليه فهو روحي، كان يقتصر على ايفاد رئيس المجلس السياسي للحزب السيد إبراهيم أمين السيد والحاج محمود قماطي الى الصرح للوقوف على خاطر البطريرك في الأمور الوطنية الكبيرة التي تختصرها العناوين من دون الولوج في التفاصيل المتروكة في الأساس لأهل السياسة من أحزاب وقوى مسيحية تدور في فلك الحزب، أما البحث عن آليات جدية للتحقيق في جريمة المرفأ وفصلها عن العمل الحكومي كما ينادي الراعي، أو النقاش في دور "الدويلة" داخل الدولة وعن السلاح غير الشرعي، كما يقول البطريرك الماروني، فهذا الامر لا يقاربه الحزب لا من قريب ولا من بعيد مع أي مرجعي ديني مسيحياً كان أم إسلامياً، ولو طُرحت هذه الإشكالية على مدى سنوات في عظات الراعي فهي لن تُحرك الحزب أو تدفعه الى الحوار مع بكركي في هذا الامر.

انسحاب بكركي "التكتيكي" من الحراك الداخلي، لا يلغي دورها الوطني، حيث يعمل البطريرك بشارة الراعي على رزمة أفكار يبحثها مع الجهات في الخارج لتُلاقي التغيير الذي قد يطرأ في الأشهر المقبلة، وفكرة المؤتمر الدولي المطروحة من قبل ما تزال واردة، وتعمل عليها أكثر من جهة انطلاقاً من كلام الراعي عن الحياد اللبناني، ورهان بطريرك الموارنة اليوم على صوابية طرحه يأتي من مفاعيل وتداعيات النهج الذي تسلكه الطبقة السياسية

وأوصلنا اليوم الى عزلة عربية ودولية يصعب الخروج منها في حال استمر المفهوم الحزبي أقوى من مفهوم الدولة، ويحتاج بالتالي الى عقد جديد ستكتمل فصوله تباعاً.\

المصدر: علاء الخوري- المركزية

صورة editor14

editor14