كتبت جنى جبّور في صحيفة "نداء الوطن": بالإضافة إلى السياسة وتداعياتها، والمهرجانات وأبطالها بات "الإنفصام" المناخي الذي يسيطر على لبنان حديث الناس.
ففي أيار، "داهمت" رياح حارة طقسنا وكأنّ أحدهم نسي أبواب الجحيم مفتوحة، وفي تموز شهدت بعض المناطق اللبنانية تساقطاً للأمطار. وفي آب قد يُترجم تساؤل وائل كفوري أمطاراً رعدية ، لا موز على الساحل، لن يغطي الثلج ساحة ريفون، سيرتفع مستوى البحر ويبدو أنّ الآتي أعظم لكن ليس في الغد القريب إنما في العام 2080!
ألقت ظاهرة "تغير المناخ العالمي" بظلها على لبنان، مطيحةً بتسلسل فصوله الـ 4. وفسر ذلك، من خلال الظواهر المناخية غير الاعتيادية التي تحولت الى واقع صعب في ظل عدم جهوزية لبنان للتعامل مع هذا النمط المناخي الجديد والذي ينتج منه مشكلات بيئية وزراعية وصحية مختلفة.
"الموضوع مش مزحة"، هذا ما تؤكده الخبيرة في الشؤون البيئية الدكتورة فيفي كلاب لـ"نداء الوطن"، مشيرةً الى أنّ "القصة خطيرة اكثر مما يظن البعض. ولنكن واضحين، لا تقتصر الفروقات المناخية على لبنان فحسب، بل تشمل العالم ككل الذي يشهد موجات من الجفاف والفيضانات وتسارع شدة الكوارث الطبيعية، واستمرار ارتفاع مستوى سطح البحر. في المقابل، صحيح أنّ لبنان خسر في السنوات الاخيرة ميزة اغتنائه بفصوله الـ 4، ولكن لا يمكننا الجزم انّه سيبقى على هذه الحال مستقبلاً، لان التغيرات المناخية تتبدل بشكل مفاجئ، وبالتالي لا يمكن توقع كيف سيكون ما تبقى من صيف لبنان 2019 خصوصاً مع غياب المراصد الكبيرة فيه، واعتمادنا على المراصد العالمية لتوقع حالة الطقس التي لا تعطي معلومات دقيقة لاكثر من 3 ايام". علماً أن مذيعات الطقس يؤكدن للمشاهدين الكرام ما سيكون عليه طقس الـ "ويك ـ أند" مساء الإثنين.
لم يتفاجأ العلماء اللبنانيون بهذه التبدلات، بل كانوا يتوقعونها منذ العام 1998، حينها شكلوا فريقاً من 18 خبيراً في مجالات عدة (خبراء في الإقتصاد والصحة والجيولوجيا والمناخ والزراعة والبيئة...) وعملوا على توقع تأثير التغير المناخي على لبنان حتى العام 2080. وبحسب د. كلاب ، أحد أعضاء هذا الفريق "توصلنا الى أنّ في السنوات المقبلة سترتفع الحرارة في بلدنا 3 درجات، ولعل هذا الرقم لا يقلق المواطن، الّا انه يقلقنا كعلماء، ونتعامل معه بجدية نظراً لتأثيراته السلبية المتعددة، خصوصاً على المستوى الاقتصادي. فلنبدأ بالزراعة مثلاً، كلما ارتفعت الحرارة درجة واحدة، كلما خسرنا المزروعات الساحلية، كالموز والحمضيات التي تزرع على مستوى سطح البحر (ارتفاع 0م)، ليضطر المزارع الى نقلها حتى ارتفاع 100 متر، وبعملية حسابية بسيطة، إنّ ارتفاع 3 درجات يتطلب نقل هذه الفاكهة الى ارتفاع 300 متر، وهذا يعني الحاجة الى الكهرباء لضخ مياه الري المتوفرة بسهولة على الساحل، والحاجة الى "فلح الجلال" وصعوبة تجهيزها مقارنةً بسهول الساحل. وكل هذا يعني ارتفاع الكلفة، ما يلقي الضوء على اهمية تمتع الافراد بالوعي اللازم، واستبدال المزروعات بأخرى تنمو في الاماكن الحارة كـ"الكيوي" والقشطة والمانغا، كما يجب على الدولة تحمل المسؤولية واخذ الحيطة وتشجيع خطط تبديل الزراعات تدريجياً. وفي موضوع الزراعة ايضاً، ساهمت الحرارة والرطوبة المرتفعتان، في ظهور انواع من الحشرات الخطيرة، لم تكن موجودة سابقاً وذلك يتطلب زيادة كمية "رش" المزروعات في ايار (موسم نموّها)، ما يؤثر سلباً على كمية المحاصيل، ويتطلب زيادة الاستيراد، كما يؤثر تالياً على الامن الغذائي للمواطنين".
ارتفاع مستوى البحر
لا تتأثر الصناعة بالتبدل المناخي، سوى الصناعات التي تحتاج الى الكثير من المياه المتوفرة في لبنان، انما تعاني من سوء الادارة والتوزيع. ولعل ابرز الامور الايجابية في التبدل المناخي، هو زيادة مواسم الاصطياف في القرى، للهروب من الحر والحاجة الدائمة الى المكيفات. وفي مثل هذا المناخ، يزيد استهلاكنا للمياه، وتشرح د. كلّاب أنّ "كلما ارتفعت درجة الحرارة، كلما زاد تبخر الماء وظهور التلوث فيه، وتتأثر المياه الجوفية بزيادة استهلاك ماء الآبار ودخول مياه البحر مكانها، ويسبب الرمي العشوائي للنفايات في تلوث المياه الجوفية. ومن المتوقع ايضاً، ارتفاع مستوى البحر 90 سنتيمتراً في لبنان حتّى العام 2080، واختفاء بعض النقاط في انطلياس مثلاً، ما يحتّم تعاطي الدولة بجدية مع هذا الموضوع، واستباق الامور من خلال منع بناء المنازل على شط البحر".
كما يؤثر التبدل المناخي على صحتنا بشكل مباشر لا سيما مع ارتفاع درجة الحراراة وما يرافقها من زيادة انتشار الفيروسات والبكتيريا الخطيرة. وتزداد نسبة الوفيات في فصل الصيف في البلدان التي تنعدم فيها أساليب الوقاية من الحرّ، ويكون الجميع معرَّضاً "للتشويبة" (عندما لا يتمكّن الجسم من التخلّص من الحرارة عبر التعرّق) خصوصاً الأولاد وكبار السن والحوامل، والبدناء أو النُحفاء، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة كالسكري وأمراض الضغط والقلب وأمراض الجهاز التنفسي والكلى وغيرها. في المقابل، يلعب كل فرد دوراً مهماً واساسياً في اتباع سياسة التغيير بدءاً من نفسه ومحيطه واستخدامه تقنيات الطاقة المتجددة. وتنصح د. كلاب الافراد بـ "وضع العوازل في البيوت للحماية من الحرارة المرتفعة، الاعتماد على الطاقة الشمسية وتوفير استعمال الطاقة الكهربائية". كذلك، على الدولة أيضاً تحمّل مسؤوليتها في هذا الإطار ووضع خطط استباقية وعدم انتظار حلول العام 2080 !
"جرس إنذار"... التغيّر
نتائج التغير المناخي في لبنان، بحسب التقرير الوطني الثالث في العام 2016:
- زيادة فترة الجفاف: بدء الجفاف قبل موسمه الصيفي بمدة تتراوح بين 15 و30 يوماً واستمراره لفترة أطول بـ 9 ايام في العام 2040 و18 يوماً في العام 2090.
- تراجع الانتاجية الزراعية: تراجع انتاج القمح والكرز والطماطم والتفاح والزيتون، وارتفاع نسبة اصابة المحاصيل بالفطريات والأمراض البكتيرية.
- تراجع كميات المياه: ذوبان الثلوج في وقت أبكر في الربيع بسبب تراجع نسبة شح المياه الجوفية، وانخفاض هطول الأمطار، وزيادة الفيضانات في الشتاء بنسبة 30 في المئة.
- فقدان موسم التزلج: مع ارتفاع معدلات الحرارة درجتين سيقل الغطاء الثلجي بنسبة 40 في المئة، وسيتغير ارتفاع تساقط الثلوج من 1500 متر حالياً إلى 1700 م عام 2050 و1900 م عام 2090.
- زيادة الطلب على الطاقة: بنسبة 1.8 في المئة مع ارتفاع الحرارة درجة واحدة و 5.8 في المئة لكل 3 درجات وذلك لاستخدامات التبريد.
- ضعف السياحة: فقدان المعالم الطبيعية وتضرر التراث الاثري.
- ارتفاع مستوى البحر: بنحو 60 سنتم خلال 30 عاماً اذا ما استمر الارتفاع الحالي البالغ 20 ملم سنوياً وزيادة خطر الفيضانات الساحلية.
المصدر: نداء الوطن