لا يختلف إثنان على ان جائحة «كورونا» غيّرت وجه العالم سواء على المستوى الصحي أو الإقتصادي أو الإجتماعي أو حتى الإنساني، فهذا الوباء الطارئ غيّر المعادلات وقلب الأولويّات على نحو مفاجئ جعل كبار الدول عاجزة عن التعامل معه.
وما كان ينقص لبناننا العزيز سوى حلول هذا الفيروس المقيت ضيفاً ثقيلاً على أراضيه، ليزيد من شلل إقتصاده وتعثر ماليّته. فهذا البلد الغارق في الديون والعجز والمشاكل السياسيّة وجد أمام تحدٍّ جديد من نوعه. تحدًّ خطير كان من الممكن أن يؤدّي بنا إلى مشاهد مرعبة على غرار ما حصل في بعض الدول لولا وعي اللبنانيين ولولا التعاون الحثيث بين السطات المحليّة والوزارة المعنية والطواقم الطبيّة من أجل تأمين الظروف الملائمة للحدّ قدر الإمكان من إنتشار هذا الوباء.
واللافت في هذه الفترة كان إستنفار البلديّات التي بدت جاهزة لتحمّل مسؤولياتها وربما أكثر من مسؤولياتها، فهي قامت بعملٍ إستثنائي جبّار رغم الضائقة الماليّة التي تعانيها، بحيث لم تألُ جهداً من أجل تقديم العون والمساندة للخروج بأقلّ ضرر ممكن من هذه المحنة، فهي إتخذت الإجراءات الوقائية وحرصت على تطبيقها، وهي أيضاً راقبت وتابعت كلّ حالة مصابة أو مشتبه بإصابتها لتأمين الحجر اللازم والتدّخل من أجل حماية أهل البلدة والمحافظة على السلامة العامة.
في مواجهة كورونا
بلديّة زحلة معلقة وتعنايل، تأهبّت منذ اللحظات الأولى لتسجيل أول إصابة في لبنان كما يقول رئيس البلديّة الأستاذ أسعد زغيب في حديث حصري لأسرة مجلّتنا ضمن الملف الخاص عن مدينة السحر والجمال «زحلة»، حيث يؤكدّ أن البلديّة «إتخذت كافة الاجراءات الوقائية، وعمدت إلى تكثيف حملات التوعية، إضافة إلى تكثيف إتصالات التنسيق مع وزارة الصحة والجهات المعنية للبت في مسألة تخصيص مركز للحجر الصحي وغيرها من الإجراءات للحفاظ على السلامة العامة خصوصاً مع عودة فتح المطار».
هذا ويتوقّف الرئيس زغيب عند الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي يرزح تحتها اللبنانيين عموماً، حيث يقول:
«ان التعاطي مع أزمات الناس ومعاناتهم هي بالفعل أصعب بكثير من التعاطي مع الملفات الإنمائيّة لا سيّما في هذا الظرف العصيب»، وانطلاقاً من هنا يلفت الريّس إلى تأسيس لجنة المساعدات الإجتماعيّة من أعضاء من المجلس البلدي وخيّرين، بهدف تأمين إحتياجات أبناء المدينة ونطاقها، وخصوصًا في مسألة دعم الدواء وحليب الأطفال، مشيراً أيضاً إلى أنّ قيمة الهبات المقدَّمة للجنة وصلت إلى نحو101 مليون ليرة لبنانيّة و11 ألف دولار».
كذلك يشير زغيب الى ان اللجنة قامت أيضًا بتجهيز 700 حصّة غذائيّة وزّعت على العائلات الأكثر فقراً في المدينة، وخصوصاً أولئك الّذين لم يتلقّوا أي مساعدات في مرحلة سابقة».
زحلة ولدت حرّة وستبقى مدينة الشعر والخمروالطعام اللبناني الأصيل
من ناحية اخرى وفي معرض تقييمه للموسم الصيفي هذا العام، إعتبر رئيس بلديّة زحلة ان أحد أهمّ إحتفاليّات المدينة غاب هذا العام بفعل الأوضاع الراهنة، موضحاً ان يوم 18 حزيران الذي يصادف فيه اليوم العالمي للتذوّق والذي تحتفل به عروس البقاع بالعادة بصفتها عضواً في الشبكة المتميّزة في التذوّق من ضمن 36 مدينة في العالم حسب منظمة الـ UNESCO ، مرّ من دون احتفال نتيجة الظروف الإستثنائية التي نعيشها مشيراً إلى أن مساهمة البلدية في تأليف جمعيّة خاصة لمواكبة وتفعيل دور زحلة في المنظمة الدولية تحت اسم Zahle Gastronomy Association.
وأضاف: «لكن ورغم كل الظروف التي نعيشها في هذه الأيام العصيبة، ستبقى زحلة مدينة الشعر والخمر واللقمة طيبة والكرم والملقى كما عرفت عبر التاريخ، وستبقى مطاعمها ومقاهيها التي تقدّم أجود أنواع الطعام علامةً رائدة في مجال الضيافة والخدمات. فمن هنا، إنطلقت المازة اللبنانية ومن هنا أيضاً إكتسب العرق قيمته الفعلية بعدما قام أبناء البلدة بتطويره وتحسين مذاقه ليصبح مشروب اللبنانيين المفضّل».
وردّاً على سؤال حول خصوصيّة أهالي زحلة وتعلّقهم اللافت بمدينتهم، فيقول زغيب: «زحلة ومنذ تأسيسها قبل 320 سنة كانت مركز حريّة إضافة إلى كونها منارة ثقافيّة وفكريّة وحضاريّة، فالمدينة قامت على أيدي أجدادنا الذين أسسوها بكلّ محبة وإيمان، وبالتالي هي ولدت حرةّ سيّدة غير تابعة، وهو الأمر الذي منحها طابعاً مميّزاً». ويضيف: «إنطلاقاً من هذا التاريخ العريق، تميّز الزحالنة بشخصيّة إستثنائية، ذلك ان علاقة ابن زحلة بمدينته هي فعلاً علاقة حبّ متجذرة في القلب والعقل وهي تعتبر علاقة نموذجيّة تجسّد معاني الوفاء والتضحية في سبيل الأرض».
نحو ترسيخ الانفتاح....
وفي سياق متصل، لفت زغيب إلى ان البلديّة التي يترأسّها تعمل اليوم على ترسيخ الإنفتاح على البلدات والقرى المحيطة بالإضافة إلى تأمين أوسع مشاركة لفئات المجتمع المدني في إنماء المدينة، حيث أوضح انه وخلال فترة الحرب كانت المدينة منعزلة أو مغلقة على نفسها بفعل الأوضاع السائدة آنذاك الأمر الذي أدّى إلى نشوء جيل على أفكار خاطئة غير صحيحة، حيث قال: «لقد أخذنا على عاتقنا الدخول في تحدّي ثقافي مع طلاب مدارس من مجدل عنجر وتعلبايا وغيرها من القرى المحيطة بزحلة من أجل تجاوز تلك الفترة البغيضة ومحو الصور الأليمة، وقد وجدنا تجاوباً ممتازاً لذلك قررنا تطوير مبادراتنا وتحضير مباريات رياضية بين المدارس داخل وخارج زحلة لتعزيز الروح الرياضية وخلق نوع من التفاعل بين التلامذة بإعتبار ان الرياضة هي اكثر ما يمكن ان يجمع الشباب ويوحدّهم وهي أيضاً تشكل مناسبة للأهل لاكتشاف مواهب ابناءهم».
الإغتراب الزحلاوي يلمع
أمّا على المستوى الإغترابي، فيلفت زغيب إلى ان البلديّة تعمل على تفعيل التواصل مع مغتربي البلدة وهي لهذه الغاية عقدت المؤتمر التأسيسي الأوّل للإنتشار الزحلي في الصيف الماضي بدعوة من البلدية وبتمويل منها وقد شارك فيه العشرات من أبناء المدينة المنتشرين في عالم الإغتراب، وذلك بهدف تمتين علاقة الزحليين المنتشرين وخصوصاً الجيل الشاب بمدينتهم وببعضهم البعض أينما تواجدوا في العالم عبر خلق أرضية مشتركة تسمح بالتعاون لما فيه خير زحلة وأهاليها المقيمين والمنتشرين، والعمل جارٍ اليوم على توسيع قاعدة التواصل من خلال الأندية المنتشرة في مدن وبلدان الإغتراب مثل مونتريال، بوسطن، نيويورك، لوس انجلس، فرنسا، بلجيكا، سيدني وغيرها..
في مجال التنمية...
في موضوع آخر وعلى مستوى التمنية، فيشير زغيب إلى ان البلديّة نجحت وبفعل عملها الدؤوب في تنشيط العلاقات والروابط مع المنظمات الفرنكوفونية، والإتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية لتوفير المساعدات اللازمة لإنجاز بعض المشاريع التنموية بما يساهم في خلق مناخ إستثماري ينشط الدورة الإقتصادية من جهة ويتيح خلق فرص عمل للشباب من جهة اخرى.
وأضاف: «إن بعضاً من هذه المشاريع بات فعلاً على السكة الصحيحة، مثل مشروع المنطقة السياحية قرب مقاهي البردوني، مشروع ترميم الشوارع والأزقة والأدراج في كافة المناطق ضمن النطاق البلدي، مشروع رصيف البولفار مع التشجير، مشروع إعادة تأهيل تمثال الشعر والخمر، مشروع تفعيل محطة تكرير مياه الصرف الصحي الرئيسية قرب مطمر زحلة بالإضافة الى وضع خطة لتطوير السياحة في المدينة إلى جانب تأليف لجنة مهرجانات زحلة الدولية، هذا فضلاً عن وضع خطة شاملة للمدينة بكافة احيائها بالتعاون مع LIRSA والمجلس الوطني من أجل تعزيز السلامة المرورية وغيرها من المشاريع الحيوية في المدينة».
حق النقد محفوظ بعيداً عن التجريح والشتم
وفي ختام هذا اللقاء، تمنى زغيب على الجميع إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي والمنابر الإعلامية بوعي خدمةً للمصلحة العامة وللمجتمع، داعياً الى الابتعاد عن لغة التجريح والشتائم حيث قال:
«ان هدفنا يبقى تطوير البشر والحجر، نحن في مرحلة البناء التي تتطلب وقتاً ومجهوداً كما ان حق النقد والإعتراض يبقى محفوظاً للجميع ضمن الأطر القانونية والأخلاقية المتعارف عليها».