نعوّل على السياحة البيئية
لتنمية المنطقة
هي تمثّل الجبل بصلابته وشموخه، فأشجارها المعمرّة وينابيعها الغزيرة ومعالمها التراثية ليست سوى دليلٌ على حضور هذه البلدة في التاريخ البعيد والقريب. هي مرستي الشوفية التي حجزت مكانة مستحقّة على الخارطة السياحية المحليّة الى جانب المعالم التقليدية التي باتت رمز لبنان وصورته البهيّة في كلّ أنحاء العالم. ولهذه البلدة خصوصيّة لافتة، فطبيعتها الساحرة حيّرت كلّ من قصدها إذ فيها تتداخل عوامل الجغرافيا مع صفحات التاريخ في مشهدٍ فنّي أقرب الى الخيال. وفي درب السنديان الروماني الذي يزّين البلدة وقضاء الشوف، تنحني الرؤوس احتراماً لعظمة الطبيعة وجلالتها، فهناك يعجز اللسان عن وصف هالة أشجار السنديان وهيبتها، كيف لا وهي الشاهد الأكبر على صمود اهل الجبل وعنفوانهم الذي لا ينكسر على مرّ الأزمنة والعصور. ولمرستي أيضاً، مجلسٌ بلدي يعمل بجهد من أجل توفير كلّ احتياجات البلدة وجعلها مقصداً لكلّ هاربٍ من ضغوط الحياة وتلوّث الهواء، وهو بالفعل نجح في تحقيق نهضة إنمائية بارزة بقيادة الريّس الدكتور ناصر زيدان الذي يكاد يوقّع يوبيله الفضي في الخدمة العامة والعمل العام. أسرة مجلتنا إلتقت الدكتور زيدان وكان هذا الحوار الذي دار حول مختلف القضايا التنموية وأبرز المعوّقات التي تؤخر وتعرقل العمل البلدي. وفي ما يلي أبرز ما دار في اللقاء.
- هل لكم ان تعرّفوا القرّاء على هذه البلدة الجبليّة المميّزة؟
تقع بلدة مرستي في أعالي قضاء الشوف على حدود الجبل ومحافظة البقاع، يحدّها نيحا وجباع من الجنوب، معاصر الشوف والخريبة من الشمال، بعذران من الغرب وصغبين من الشرق. ارتفاعها عن سطع البحر يتراوح بين الـ 1000 و1800 متراً علماً بأن وسط البلدة حيث التجمع السكاني يرتفع حوالي 1200 متراً عن سطح البحر، أما بالنسبة لعدد سكانها فهو يبلغ 2000 نسمة، إنّما وكما غالبية القرى الجلبيّة اللبنانية، فإنّ أكثر من 30 % من السكان يتوّزعون ما بين هجرة داخلية وخارجية لأسبابٍ عديدة. علماً بأنه ومنذ إعادة إطلاق العمل البلدي بعد الحرب، قامت البلديّات المتعاقبة بمجموعة من المشاريع الإنمائية ومشاريع تتعلق بالإصلاحات الداخلية في البلدة، ورغم الإمكانيّات المحدودة والمتواضعة استطاعت ان تنشئ مجموعة من البرك الزراعية لتجميع المياه وتوزيعها مجّاناً على المزارعين، كما قامت باستكمال بناء بيت الضيعة والمبنى البلدي حيث تقام المناسباب العائلية والإجتماعية وإلى جانبه ملعب رياضي. هذا وتنظّم البلديّة مهرجان مواسم مرستي السنوي في النصف الأول من شهر أيلول من كلّ سنة وقد دأبت على إجراء هذه العادة منذ 15 عاماً، على ان يتخلل هذا المهرجان عرضٌ للمتنوجات المحليّة الزراعيّة والحرفيّة بالإضافة الى برنامجٍ فنّيٍ وثقافيٍّ حافل.
- ما هي أبرز المشاكل التي تواجه عملكم البلدي؟
إن المشلكة الأولى والأساسيّة التي نعاني منها في إطار عملنا البلدي هي شحّ الموارد الماليّة، إذ هي تبقى محدودة ومتواضعة جدّاً. أضف الى أنه ليس للبلديّة أيّ مؤسسات تدر لها المداخيل، في الوقت الذي تبقى عائدات الصندوق البلديّ المستقلّ غير كافية كما أنّها لا تصل إلينا سنويّاً كما هو ملحوظ في القانون، بحيث نعاني من تأخيرٍ شبه دائم. وفي موازاة هذه المشكلة نحن نعاني أيضاً من عدم تجاوب مؤسسات الدولة مع البلديّات في مواضيع الإنماء خاصةً تلك التي تتعلّق بمواضيع الطرقات والتزفيت والنفايات التي ترمى كلّها على عاتق البلديّات من دون توّفر أي مساعدة.
- كيف تستفيدون كبلدة جبليّة من الطبيعة الخلاّبة وكيف تقيّمون الوضع السياحي؟
نحن أقمنا بالتعاون مع محمية أرز الشوف بعض المشاريع التي من شأنها ان تجذب السواح وخاصة لجهة السياحة البيئية، إذ يوجد هنا درب السنديان الروماني المعروف جدّاً والذي يقصده هواة المشي من كلّ لبنان للتمتّع بطبيعة مرستي التي تحتضن أشجار سنديان معمّرة، عمر البعض منها يتخطّى الـ 1000 سنة. هذا وتتشدد البلديّة في المحافظة على الطبيعة الجميلة، كما تسعى للمحافظة على الشق الزراعي فيها لأنه يخلق نوعاً من التجانس مع الطبيعة ولا يساهم في تشويهها كبقيّة القطاعات الإقتصادية التي لها تأثيرات سلبية على البيئة.
- هل من تعاونٍ مع بلديّات أجنبية في مشاريع معيّنة؟
كان هناك محاولة في الماضي، إنّما حالياً لا يوجد. هناك اتفاقٌ على مستوى اتحاد بلديّات الشوف الأعلى، بحيث يوجد اتفاق تعاون مع بلديّة ميلانو الإيطاليّة وبلديّة بيلفورت الفرنسية، إنّما وحتى الآن لا يوجد مردودٌ فعلي لهذه الإتفاقيات أو أي ترجمة عملية على الأرض، بحيث يقتصر التعاون على بعض المساعدات التي تقدّمها بعض السفارات او المنظمات، كسفارة إيطاليا التي ساعدت في بناء قرميد للقاعة العامة للبلدية، أو الوكالة الدولية للتنيمة التي أقامت محطة لتكرير مياه الصرف الصحي في البلدة، لا شك بأن مرستي تحتاج الى مشاريع كثيرة إنّما يهمّنا التأكيد بأنّ الخدمات والبنى التحتية الأساسيّة متوّفرة، بحيث أنّ الطرقات وشبكات المياه والكهرباء والهاتف كلّها موجودة، حتى ان عمليّة رفع النفايات قائمة وهي مسؤوليّة البلديّة من ضمن خطة وضعها الإتحاد لإقامة معمل لفرز نفايات هذه المنطقة.
- هل يوجد تدخلٌّ سياسي في العمل البلدي ؟
لا أستطيع القول بأن هناك تدخلٍ سياسيٍّ واسع في الشأن الإنمائي البلدي، هناك إذا صحّ القول، شكلٌ من أشكال الإشراف على بعض المواضيع مثل المحافظة على البيئة والبناء وموضوع النفايات، أمّا في القضايا التفصيلية وغيرها فليس هناك من تدخّل يذكر، مع الإشارة الى أن التجاذبات السياسية الموجودة في كلّ قرية لبنانية لها انعكاسات على العمل البلدي، أحياناً تغنيه وأحياناً أخرى تؤخره وتؤدي الى بروز مشاكل، إذ ان بعض الخلافات العائليّة قد تؤدي الى تجميد العمل البلدي وأحياناً تؤدي الى انفراط المجلس، كما أن بعض التسويات العائلية المجحفة أحياناً قد تأتي بالضعفاء الذين لا قدرة لهم على العمل، وذلك على حساب الكفوئين والمستحقين .
- ماذا عن المكننة، هل نجحتم في إدخالها الى العمل البلدي؟
نحن قمنا بإدخال المكننة الى جزء كبير من العمل البلدي، لكن التكنولوجيا الحديثة تحتاج الى عدد كبير من الموظفين والتقنييّن، والبلديّة لا تستطيع تحمّل تكاليف وأعباء مثل هذا الأمر.
- في نهاية هذا اللقاء، كيف تقيّمون تجبربتكم في العمل البلدي بعد كل هذه السنوات؟
من خلال تجربتي الشخصيّة التي استمرت على مدى 25 عاماً، أستطيع القول بأن العمل البلدي والقانون البلدي يحتاجان الى تطوير، إذ ان هذه المؤسسة تحتاج الى صلاحيّات أوسع من خلال اعتماد اللامركزيّة الإدارية التي ستوّفر لها عائدات ماليّة أكبر، وقد يكون الأمر بحاجة أيضاً الى تطوير عمل الإتحادات البلديّة، وفي النهاية أشير الى أنه آن الآوان للإرتقاء بالمجتمعات المحليّة للتعامل وفق القوانين، فحتى الساعة وأقولها صراحة ليس هناك عمل بلدي يتمّ وفق الأنظمة والأطر القانونية، إذ توجد مراعاة للعلاقات والظروف الإجتماعية التي تحكم العمل البلدي في غالبية الأحيان، وهذه ليست مسؤوليّة البلديّات فحسب إنّما مسؤولية الدولة والمواطنين معاً.