لاتلقوا علي المحاضرات يااصحاب القيافة والنيافة .. ولاترشدوا عيني الى الصدور المحملة بالاوسمة والنياشين .. فان كل الأوسمة والنياشين لاتصنع بطلا ولاتخرّج شجاعا .. بل ان المواقف هي أكاديميات للأبطال .. فكل الصدور التي تحمل النياشين والجوائز والاوشحة هذه الايام تخفي بين أضلاعها قلوبا ضعيفة وصغيرة كقلوب البعوض ..
كم يجلس مئات الجبناء وذوو القلوب الضعيفة اليوم من مثقفي الشرق أمام نشرات الاخبار وهم يرتجفون هلعا وهم يرون هذه المواجهة بين قلب شجاع في صدر جورج قرداحي وبين السكاكين والخناجر .. لكنهم في ذات الوقت يحسون ان الحسد يأكل قلوبهم وأن الغيرة تنهش أرواحهم .. ويجتاحهم شعور بالضآلة واحتقار الذات وهم يرون جورج قرداحي المثقف الذي ارتقى بثقافته وسما وارتفع كثيرا وهو ينازل النفاق والتزوير ليصبح عملاقا ومالئ الدنيا وشاغل الناس .. مثل المتنبي بكبريائه واعتداده بنفسه ورفضه النفاق والتزوير ..
كنت أحس ان الدولار مثل المطوعين الوهابيين قد أدخل الجميع الى الزريبة الخليجية .. حيث اشتري المثقفون وتم سوقهم للخدمة الالزامية في دبي والرياض والدوحة وصاروا يكنسون القصور بكتبهم وقصائدهم ودواوينهم التي صارت بأيديهم مثل المكانس في القصور الأميرية .. ويمسحون القاذورات بألسنتهم ويلمعون الجهل والجهلة كما يلمعون الاحذية العتيقة .. وكم امتلأ هذا الشرق بالمذيعين والاعلاميين والابواق والشعراء والادباء الذين يتصرفون اما كالبكم او ككلاب الحي .. ولكل جرو سعره ولكل كلب ثمن .. ولكل نبحة عظمة ولكل عواء رزمة .. كلاب تنبح على عابري السبيل الى ان يزجرها صاحبها أو يلقمها العابرون حجرا ..
كم نغبط جورج قرداحي على هذا البأس وهذه الشجاعة في ان يرفض كل هذا الابتزاز وان يقول كلمة الحق كما لو انه حضر العشاء الاخير مع السيد المسيح وأخذ وصاياه منه شخصيا .. فيما كل اعلامي عربي يشترى والعصا معه وهو يأكل تحت طاولة الامير وبين قدميه ..
لعمري كأن هذا الرجل قرأ ديوان المتنبي كلمة كلمة حتى صار دستوره .. ففي ثباته على موقفه نرى (على قدر أهل العزم تأتي العزائم .. وتأتي على قدر الكرام المكارم) .. وفيه نرى (مفرشي صهوة الحصان .. ولكن قميصي مسرودة من حديد) ..
في هذا اليوم سقط اعلاميو العرب ومثقفوهم الجبناء دفعة واحدة وهم يتلقون درسا في المروءة والشجاعة والجسارة والاقدام في تحدي التزوير والغش والكراهية .. وانكشفوا وهم نائمون تحت الشراشف كالحشرات وهم يخافون حتى ان يسمع الناس طنين أجنحتهم .. ويخافون ان يسمع الناس أصوات قضمهم فصارت لهم أفواه الديدان تقضم الورق بصمت .. مثل حشرات الجزيرة وخنافس العربية وكل مزارع الاعلام الخليجية التي يزدحم فيها فنانو العرب ومثقفوهم كالديدان التي تقتتل بصمت في أحشاء جيفة ..
جورج قرداحي المسيحي العربي كان على مائدة السيد المسيح يأكل من خبزه ويشرب من كاسه المقدسة .. وكان مسلما اكثر من كل المسلمين مجتمعين وهو يعلن انه الأوفى بينهم لدين محمد .. وهو أعلم بتعاليم نبيهم منهم لأنه يقول بعد كل الابتزاز اللفظي والمعنوي والمادي انه ليس بالرخيص ولا ممن يبيعون القضايا .. وأنه يتمثل رد النبي العربي على تهديدات واغراءات التجار في مكة لترك رسالته او بيعها .. اذ قال لهم: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان أترك هذا الأمر لما تركته) .. وجورج قرداحي رغم انه محاصر من كل الاعلام الخليجي منذ ان أعلن انه حر .. فانه لم يبع العروبة ولم يبع سورية والسوريين .. ولم يبع فلسطين .. ولم يبع الحرية والأحرار ولم يبع المقاومة .. ولم يبع اليمن .. ولم يبع نفسه .. ولم يبع حتى كلمة واحدة يملكها .. فالكلمة التي يقولها صارت تعتز انها سيدة ولاثمن لها في كل الدنيا .. ولا نملك الا ان نقول له .. امض بما أمنت ماض فيه .. وماوصلت اليه لن يصل اليه اعلامي قبلك .. فلترعاك السماء ياصاحب القلب الشجاع …