التبويبات الأساسية

قال رئيس "المنتدى اللبناني للهجرة والتنمية" هيثم جمعة، في بيان: "تشكل الهجرة اليوم واحدة من وجوه الأزمة العالمية، بحيث انها تؤثر بطريقة أو بأخرى على المجتمعات كافة اقتصاديا، ثقافيا، اجتماعيا وسياسيا، سواء بالنسبة الى الدول المرسلة أو للدول المستقيلة".

ورأى ان "المجتمع الإنساني وعى أهمية الهجرة ودورها متأخرا بحيث انكب على درس أثر مجيء المهاجرين وانعكاس ذلك على المجتمعات المضيفة والإشكاليات التي تتولد عنها بعدم التكيف أو الاندماج الحقيقي".

وأضاف: "على أثر الأزمة الاقتصادية عام 2008، بادر العديد من الدول إلى إعطاء أهمية قصوى لهذه الظاهرة ولا سيما البلدان الأوروبية التي أولت موضوع الهجرة إليها اهتماما خاصا عبر مجموعة متخصصة في "المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة" ICMPD وعمل هذا المركز بالتعاون مع دول الجنوب المرسلة للمهاجرين على وضع أفضل السياسات لموضوع الهجرة والتنمية لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا أو منطقة البحر المتوسط. بالإضافة إلى نشاط الأمم المتحدة عبر الاجتماعات غير الرسمية عبر المنتدى العالمي للتنمية والهجرة وكذلك إعلان العهد العالمي للهجرة في الأمم المتحدة 2016".

وتابع: "في هذه الأيام، ومع انتشار وباء كورونا، تجددت مخاوف الدول من موضوع الهجرة وبتنا أمام حقائق جديدة يلزمها حوار جديد، ومقاربات جديدة لهذا الموضوع، فالمجتمعات وخصوصا المتقدمة منها-أوروبا-أميركا-أوستراليا، يسكنها الخوف من الهجرة وهذا الخوف باطني ويتعلق بما يلي:
مشاكل التجارة العالمية.
التطور التكنولوجي والاعتماد على الآلة التي تحل محل الإنسان.
خسارة الأعمال والتعصب تجاه المهاجرين.
تسيس موضوع الهجرة وادخاله ضمن البرامج الانتخابية".

ولاحظ أن "الدول الأكثر تقدما هي الأكثر تأثرا وخوفا من الهجرة وخصوصا البلدان الأوروبية والبلدان الأميركية وأوستراليا، وان تختلف عن بعضها البعض بالموقع الجغرافي لجهة سهولة أو لصعوبة الوصول إليها، فالوصول إلى أوروبا والولايات المتحدة أسهل من الوصول إلى كندا وأوستراليا، على سبيل المثال".

ورأى أن "بعض الدول متفهمة لواقع المهاجرين(كندا-أوستراليا)، وتضع الخطط اللازمة لاستيعابهم بحيث لا تطغي الأكثرية السكانية المحلية على الأقليات المهاجرة وتشجع على الإندماج من ضمن برنامج يتكيف فيه المهاجر مع المجتمع الجديد المضيف.
الاستيعاب انطلاقا من نظرية استثمار رأس المال البشري".

ولفت الى أن "اعتبار الهجرة استثمارا في رأس المال البشري يسهل الوصول إلى حلول مقبولة للهجرة. وعليه، فان وضع آليات لذلك يمكن أن تكون قرارا صائبا خصوصا للدول التي تخاف من الهجرة، تكون هذه الآليات وفق هذه المعايير:
قبول الكفايات والمواهب.
تبادل الثقافات.
تبادل المنافع.
إذ إن الإنسان يقدم خدمات أكثر من الآلة والاقتصاد يتعزز باليد العاملة الخيرة".

وشدد على "العامل الإنساني والتعامل مع المهاجرين بإنسانية وموضوعية لأن عدم استيعاب المهاجرين يحولهم مجرمين بعدما حولهم النظام السياسي العالمي إلى مهاجرين. لذلك فإن على راسمي السياسات العامة في الدول المستقبلة أن يأخذوا في الاعتبار كل الأبعاد المتعلقة بالإنسان المهاجر ولا سيما:
البعد المعنوي: ربما يكون المهاجر صاحب كفاية عالية في موطنه واضطر إلى الهجرة من موطنه.
البعد المادي المرتبط بالفرق بين الأجور في بلده وفي بلد المقصد.
البعد الإنساني.
البعد القانوني.
البعد الأمني"".

وقال: "يجب الا نستثني موضوع الإرهاب، إنما يجب أن يدرس بعناية شفافة وعميقة حتى لا نظلم أحدا لأسباب سياسية".

وقسم المهاجرين فئات إنسانية متعددة، وأضاف: "انطلاقا مما تقدم، وعند درس خطط القبول والاستيعاب للمهاجرين، علينا أن ننتبه من عدم اثارة مشاكل اجتماعية مستقبلية للدول المضيفة بألا نساعد على ايجاد مجتمعات فقيرة جديدة أو "ضواح"
فقيرة على جوانب المدن بحيث نلاحظ ان المهاجرين الفقراء يهاجرون عادة إلى المجتمعات الفقيرة داخل الدول.
لذلك يجب عدم السماح لفئة سياسية شعبوية أن تخطف المجتمعات وتبعدها عن روحها الإنسانية وتوجهها ضد المهاجرين لأسباب سياسية".

وتابع: "يجب أن نتعامل مع قضايا المهاجرين بحكمة كبيرة إذ ان خصائص الشعوب يمكن تكييفها لكن لا يمكن تغييرها خصوصا العرق، اللون، الديانة، العادات والتقاليد. لذلك يجب العمل على إدماج المهاجرين انطلاقا من درس أوضاعهم وأصولهم وعاداتهم وتقاليدهم. وأخذ أفضل ما عندهم وإضافته إلى أفضل ما عند المجتمعات المستقبلة. يجب أن نوفر قيما وطنية نجمع عليها الاتنيات المختلفة وهذه القيم تكون قيم وطنية مشتركة للجميع".

وذكر بقول الألماني يورغن هابرماس: "إن الوطنية الدستورية هي ولاء المواطن لمجموعة من المبادئ والمثل والعدالة والتي يحددها دستور الأمة"، لأن هناك بعض الأمور تحدد روح المواطنة ويقبلها الجميع لأن الانتساب إلى القيم الوطنية في الدستور يضمن الوحدة بين المواطنين والعيش المشترك ويرسي السيادة الوطنية المسؤولة".

وقال: "تدور حاليا نقاشات عميقة حول موضوع الهجرة وخصوصا في ظل التباطؤ الاقتصادي وفي ظل وباء كورونا، الذي ضرب العالم بأسره وأصاب كل الاقتصادات العالمية وتسبب في أكثر من دولة في انهيار العقد الاجتماعي.
وقد أثر على الدول المتقدمة أكثر من غيرها مما جعل بعضها بعيدا من المنطق الإنساني وشعرنا بأننا عدنا إلى عالم القرن الـ19 عالم الأوقات الصعبة والمواجهات من دون حلول.
وأصبحت بعض المجتمعات القائمة على مبادئ الديموقراطية والحرية في خطر لأن القيم فيها في وضع خطر نظرا الى تشبث بعض القادة السياسيين بآرائهم بالنسبة الى الهجرة وبالوقوف ضد المهاجرين".

واعتبر ان "الهجرة ظاهرة تتعدى الحدود الوطنية إلى العالمية ولها تأثير على استقرار المجتمعات وأمنها، لذلك نحن في حاجة إلى إجراء حوار لحل هذا الموضوع لأن الديموقراطية اليوم تعيش اختلافات حادة بالنسبة الى المهاجرين".

وأضاف: "كما للهجرة سلبيات لديها إيجابيات كثيرة، وعلى من يتعامل بوضع السياسات الخاصة بها عليه أن ينطلق من منطلق الحفاظ دائما على احترام الآخر وفهمه".

وختم: "مثلما عالجنا في الماضي مواضيع الهجرة بمسؤولية عالية بحوار بين دول الشمال والجنوب وهيئات المجتمع المدني، قادرون اليوم على الحوار بكثير من الواقعية وبمعايير مختلفة توفق بين القيم والرؤى الوطنية وبين حاجات المهاجرين. فإيجابيات الهجرة أكثر من سلبياتها، والعالم أصبح مفتوحا على بعضه البعض، لذلك علينا اتباع سياسة بناء الجسور وهدم الجدران، وهي تستحق البحث المعمق والحوار والتعامل مع الهجرة بشكل صحيح وخصوصا في الظروف التي يعيشها عالم اليوم لاو سيما الاتحاد الأوروبي الذي سيواجه هجرة طويلة الأمد من الجوار الأفريقي والجوار الشرق متوسطي".

صورة editor3

editor3