انتهت الانتخابات النيابية اللبنانية مخلفة وراءها حصادا مفاجئا لبعض القوى السياسية بخسارتها عدداً لا يستهان به من المقاعد في المجلس النيابي، في مقابل ربح البعض الآخر لعدد اضافي من المقاعد، هذا عدا عن دخول كتل نيابية وقيادات مستقلة جديدة المجلس الجديد، الأمر الذي يؤشر الى ان مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية لن يكون كما قبلها، سيما وان نَفَس "التسوية" في ظل النظام النسبي لم يستطع بتحالفاته من نسج مجلس جديد على صورة التسوية ومثالها وانما سقطت الاخيرة اما مكاشفة الرأي العام الذي اداربعضه ظهره لمن وضع ثقته بهم بايكالهم مدة التسع سنوات السابقة، وصوت البعض الآخر لكتل وقيادات بعيدة عن الاصطفاف الداخلي الذي استفذ كل مقدرات البلد ويسعى مؤخراَ لاستثمار اهله عبر مؤتمرات مازالت شيكات بدون رصيد حتى اشعارا آخر.
من هنا فان أولى انعكاسات ما افرزه الانتخابات النيابية هو أن تمرير أي استحقاق أو قرار خاص بسياسة الدولة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو حتى الأمني لم يعد سهلاً، كما انه لن يعود رهينة التجاذب بين مصلحة قوتين وانما سيكون محط حراك حتى الانتزاع من قبل القوى الثالثة مجتمعة فيما اذا حزمت قواها.
قد يبدو للبعض ان في ذلك قراءة غير دقيقة، الا ان حقيقة الامر ان الاستحقاقات المقبلة لن تختلف في مفاجآتها عن مفاجآت الاستحقاق النيابي لاسيما في ظل الحركة الاستباقية لبعض القوى السياسية عبر طرحها لمواصفات الحكومة المقبلة ان لناحية ما ادلى به رئيس مجلس النواب نبيه بري فيما خص وزارة المال واعتباره انها "للطائفة الشيعية" او لناحية ما ادلى به رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في اجتماعه الاول لتكتل "الجمهورية القوية" لناحية عدم اعترافه سوى بمعادلة "شعب ودولة وجيش" مردفا ذلك بطلب من الحكومة الجديدة ان تضع في مرحلة اولى قرار استخدام حزب الله لسلاحه على اولياتها داخل مجلس الوزراء. أضف الى ذلك أيضا حال لو مددت التسوية صلاحياتها في المرحلة المقبلة وأعيد تسمية سعد الحريري رئيساً للحكومة، فانه سيكون امام استحقاق الامتحان الاخير، سيما بعدما فشل في المحافظة بالحد الادنى على حجم كتلته وبالتالي على حجم قواعدة الشعبية التي كانت تؤيده سابقاً.
وفي هذا الاطار، نشير الى ان اولى المؤشرات على ذلك برزت على لسان الحريري في تصريح له اشار فيه الى انه اذا لم تكن تسميته للحكومة على أسس تناسبه فسيرفضها، الامر الذي يؤشر على ان الهدنة التي امتدت منذ تاريخ عودة الحريري عن الاستقالة وحتى تاريخ حصول الانتخابات النيابية قد انتهت وبالتالي لم يعد التعهد بالالتزام بسياسة النأي بالنفس وحده كافٍ وانما هناك شروط اخرى يقتضي على الحريري توفير الضمانات الكافية لتحقيقها لضمان المحافظة على كرسي الحكومة، وليس مستبعدا ان تحمل هذه الشروط عنوان دور "حزب الله" وسلاحه. وربما هذا ما مبادرة رئيس الجمهورية ميشال عون لمساندته عبر طرحه عقد جلسات حوار لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية الا ان هذا الطرح اتى كمن يقدم كرسي للمتعب ليرتاح فاذا بالكرسي مقامة على قاعدتين وليس اربعة و وهذا ما بدا فعلا مع طرح الرئيس عون لاتفاق الطائف مجددا لدرس كيفية تطبيقه.
أمام هذا الواقع يتضح بأن مروحة الشروط التي لوح بها سعد الحريري دون ان يفندها قد تتسع سيما مع اتساع رقعة الخناق على حزب الله وحليفته ايران الا ان العبرة تبقى في التنفيذ والشواهد على كم التنازلات التي قدمها الحريري سابقا مازالت حاضرة في الذاكرة ولم يجف حبر حصولها بعد .
(ميرفت ملحم - محام بالاستئناف)