أقامت مؤسسة أديان ندوة حوارية تحت عنوان "التضامن مع القدس عاصمة الأديان وقبلة الإنسان"، يوم الخميس 28 كانون الأول/ديسمبر في قرية الساحة، برج البراجنة، بمشاركة نخبة من علماء الدين من مختلف الطوائف المسيحيّة والمسلمة.
في الكلمة الافتتاحية للندوة قال رئيس مؤسسة أديان الأب فادي ضو: "القدس تنادينا، ليس لندافع عنها وحسب، لكي تحافظ على هويتها الحقيقية، بل لأن القدس هي التي تقول لنا من نحن، فنحافظ بها على هويتنا وأصالتنا ورسالتنا"، وأضاف، "بدون القدس تفقد الإنسانية قبلتها، فتصبح تائهة في عالم الغطرسة والاحتلال... ما يجعل الاحتلال يخاف من بسمة طفلة، فيضع عهد التميمي خلف القضبان".
وتابع الأب ضو، "نلتقي اليوم لكي نذكّر بعضنا بعضًا بهويتنا الروحية المشتركة النابعة من القدس، وبمسؤوليتنا الإنسانية التي تدعونا لكي نتحد في وجه الظلم". و"القدس لا تحتاج إلينا وحسب، بل نحن من يحتاج إليها، لأنّه بدون القدس تصبح الأديان الإبراهيمية بلا عاصمة".
واعتبر الأب ضو أن القدس هي قضيتنا المشتركة، لأن فيها نجد رسالتنا الواحدة: أن يكون الدين على مثال أبينا إبراهيم، توحيديًّا، أي ألا نعبد ذواتنا ومشاريعنا وإيديولوجياتنا وأوهامنا مع عبادتنا لله الواحد.
بعد الكلمة الافتتاحية كانت الجلسة الأولى بعنوان "القدس في المسيحية والإسلام"، تحدث فيها أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط الأب الدكتور ميشال جلخ فقال: "بعد نكسة 1967 في حين كان العالم يبحث لهذه المدينة عن وضع قانوني يسمح للحجاج المسيحيين بالوصول إلى الأراضي المقدسة، كان المسيحيون العرب يحاولون استعادة حقهم في المشاركة في النقاش وتذكير الغرب بأن فلسطين ليست أرضًا بدون شعب، وأن القدس ليست مقام حج وسياحة فحسب". وأكّد الأب جلخ أن قضية القدس "قضية عدل لا قضية ما وراء"، والحنين إلى أورشليم ليس حنينًا ماضويًا كحنين المسبيين، بل حنين إلى أورشليم التي نريد بناءها بالعدل والاستقامة.
ثم كانت مداخلة السيد الدكتور جعفر فضل الله التي جاء فيها "إنّ المشكلة في لبّها هي مشكلة مشروع استعماريّ بدأ يعبّر عن مشروعه منذ مائة عام، مع وعد بلفور"، وعندما احتُلّت فلسطين لم تعد القدسُ عاصمةً للأديان... و"لذلك إذا أردنا أن ترجع القدسُ عاصمة الأديان وقبلة الإنسان، فلا بدّ من العمل على إرجاعها إلى شعبها، وإلى تاريخها، وأن يُعلى الصوتُ أمام هذا النظام العالمي الجائر".
المداخلة الثالثة في الجلسة الأولى كانت للباحث في الفكر الإسلامي الشيخ أحمد عمّورة الذي قال "بتضامننا مع القدس نتضامن مع أنفسنا"، واعتبر أن القدس "مدينة العهود، عهود الأنبياء وليس عهد بلفور وعهود العملاء"، وذكّر بدخول المسلمين المدينة صلحًا. واعتبر أن الصهيونية كما الإرهاب لا دين لها، ورهان الغرب على الصهيونية مظلم وظالم.
أما الجلسة الثانية فكانت بعنوان "دور القيادات الدينية في التضامن مع القدس"، والكلمة الأولى كانت لقاضي صيدا الشرعي الشيخ محمد أبو زيد الذي عبّر عما يحز في نفسه أن توصف مدينة القدس بأنها مدينة السلام بينما واقعها بعيد كل البعد عن هذه الحقيقة. ورأى الشيخ أبو زيد أنّ الصهيونية نزعة لخطف دين ما وتحويله إلى دين عدواني، وبالتالي "من أوجب واجبات رجال الدين أن يستنقذوا الدين من خاطفيه ليكون ناطقًا بقيم ارتضاها الله لتكون سبب سعادة وخير البشر على هذه الأرض".
رئيس أساقفة حيفا والأراضي المقدسة للموارنة سابقًا والنائب البطريركي للعلاقات الخارجية المطران بولس صيّاح من جهته قال في مداخلته أن "الكلام في القدس ولو طال لن يفي القدس حقها"، معتبرًا أن "المقدسي حارس للمقدسات، والقدس لا يمكن لأحد أن يملكها بل هي التي تتملكُك عندما تختبر العيش فيها". واعتبر أن على الإنسان المقدسي أن يدرك أن دوره أساسي في بقاء القدس. وأكّد على أن "المثابرة هي الأساس في القضية الفلسطينية، فهي تساعدنا على التصدي للمحتل وخبثه".
ثم كانت الكلمة الثالثة لأمين عام مؤسسات العرفان التوحيدية الشيخ الدكتور سامي أبو المنى الذي رأى في تصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة نصرًا معنويًا لقضية القدس، وبالتالي لقضية فلسطين، واعتبر أن هذا النصر يجب أن يُتابع ويُبنى عليه، "فلا يمكن المراهنة على الأصولية المتحكمة بالولايات المتحدة وإسرائيل، كما أن المراهنة ليست بالتأكيد على الدول العربية والإسلامية التي تعاني ما تعانيه من انقسام وقلاقل وفتن، لكن المراهنة هي على صمود الشعب الفلسطيني الأكثر فاعلية وتأثيرًا".
وأنهى الشيخ أبو المنى كلمته بقصدية جاء فيها:
لـــو عـــذَّبــــوا، قــــتَّلوا، لـــو شـــرّدوا ورمَـــــوا فالحقُّ أمضى سلاحاً من أعاديه
لـــــو حـــاصروا القُــــدسَ فـالأقداسُ باقيةٌ تســـــتـــصـرخُ الـمــلأَ الأعلى، تنـاديه
لو صهيَنوا الأرضَ وٱختاروا لها عَلمًا ودنَّسوا المسجدَ الأقصى وماضيه
فالشعبُ في الوطنِ الأغلى غـــدا قَـدَرًا وقِبـــــلـــةُ الــــروحِ حــــــيًّا فـــــي تُــــبـــقـيـــه
فـــلا الــــقـــنــــــابـــلُ بالـــتـهـــــــديـــدِ تَـــــــردعُــــــه ولا السيــاســـةُ بالـــــتــــهـــويــــدِ تُــغـــريــــه
واختتمت الجلسة الثانية والندوة بنقاش أكّد المشاركون فيه على الحاجة الملحة للتفكير والتخطيط في شأن مقاومة ما يجري للقدس وفسلطين، بكل أشكال المقاومة، وشدّدوا على أن تشمل المناهج التربوية قضية فلسطين.
انتقل المشاركون بعدها لإلتقاط الصورة الجماعية ثم تشاركوا مائدة الغداء.