منتصف ليل أمس، دخل قانون "قيصر" الأميركي حيّز التنفيذ رسمياً. التأثيرات ستطال سوريا ولبنان على السواء، فلطالما ارتبط البلدان ببعضهما البعض اقتصادياً. وفي وقت تنهار فيه الليرتان بوتيرة متسارعة، يؤكد خبراء أنّ الأزمة الاقتصادية ستشتد في لبنان وسوريا، من دون أن تؤدي إلى "انهيار النظام"، كما تأمل واشنطن.
وبعد ساعات من دخول "قيصر" حيز التنفيذ، استقبل وزير الخارجية والمغتربين، ناصيف حتّي، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية، دوروثي شيا، واستوضحها عن تداعيات "قانون قيصر" على الشركات اللبنانية العاملة في سوريا.
وفي لبنان، حيث سجل تهافت غير مسبوق على محلات الصيرفة، تحذّر حنين غدار في مقال نشرته "الحرة" من خضوع بعض المصارف وشركائها والشركات اللبنانية لعقوبات جديدة بسبب "مساعدات مادية للأسد"، خاصة إذا كانت مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالدعم اللوجستي للعمليات العسكرية لـ "حزب الله" في سوريا، مبينةً أنّه يُعتقد أنّ "لدى سوريين أثرياء ودائع بمليارات الدولارات في المصارف اللبنانية".
وكتبت غدّار قائلةً: "ومع ذلك، قد يكون الردع هو التأثير الأكثر أهمية لـ "قانون قيصر" ـ أي سيتعين الآن على الشركات اللبنانية التي كانت تأمل في الوصول إلى السوق السورية من خلال مشاريع التجارة أو إعادة الإعمار، إعادة النظر في هذه الخطط".
توازياً، تناولت غدار تهريب المازوت إلى سوريا، فكتبت: "يجب على المسؤولين الأميركيّين استخدام بطاقة التهديد بفرض العقوبات بموجب "قانون قيصر" للضغط على المسؤولين اللبنانيين من أجل تشديد الرقابة على الحدود واتخاذ تدابير أخرى تساعد في الحد من تهريب الوقود عبر المعابر غير القانونية".
على صعيد النوايا الأميركية، كتبت غدار المقربة من مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، تقول: "قد يساعد "قانون قيصر" لبنان على تعزيز سيادته وتمكين مؤسساته في وجه الجهات الفاعلة من غير الدول، عبر استخدامه هذه الانتهاكات وغيرها المتعلّقة بسوريا كوسيلة ضغط. وعلى وجه الخصوص، إذا أقنع التهديد بفرض العقوبات بموجب "قانون قيصر" المسؤولين اللبنانيّين بترسيم حدود بلادهم والبدء في تنفيذ قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701 بشكل صحيح، فإن ذلك سيحدّ من حرية "حزب الله" في استغلال المؤسسات الوطنية دعما لنظام الأسد في البلد المجاوِر". وأضافت: "علاوة على ذلك، سيكون المهرّبون أقل حرية في مواصلة الأنشطة التي تضر بالاقتصاد اللبناني وتجلب أسلحة خطيرة إلى أراضيه. وعلى الصعيد الإقليمي، من شأن تعزيز سيادة لبنان أن يساعد المجتمع الدولي على ممارسة المزيد من الضغط على "الجسر البري" الإيراني إلى بيروت والحدود الإسرائيلية"، على حدّ تعبيرها.
على الصعيد الدبلوماسي، كتبت غدار: "يمكن الاستفادة من "قانون قيصر" بطريقتين. أولا، يمكن أن يساعد في تثبيط الجهود لتطبيع العلاقات اللبنانية مع سوريا طالما أن النظام الذي لم يتم إصلاحه يسيطر على السلطة في دمشق (..) ثانيا، يمكن لـ "قانون قيصر" أن يدفع بلبنان إلى تعليق اتفاقياته العسكرية وهيئاته التنسيقية الطويلة الأمد مع دمشق".
سورياً، رفع مصرف سوريا المركزي (المركزي السوري)، اليوم الأربعاء، سعر الصرف التفضيلي للدولار من 700 إلى 1256 ليرة سورية للحوالات في المصارف وشركات الصرافة. وأمس، عادت الليرة السورية لتسجل انخفاضاً جديداً في سوق الصرف لكنها ما تزال تحافظ على التحسن العام الذي طرأ على قيمتها منذ خمسة أيام، وهو تحسن يصفه الخبراء بالمؤقت والوهمي. وسجلت العملة الاثنين، 2500 ليرة مقابل الدولار في العاصمة دمشق، بينما وصلت إلى 2750 في إدلب، وأفضل سعر لها كان في مدينة حلب حيث بلغ سعر صرف العملة الأميركية 2400 ليرة.
وأمس، قالت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، في مجلس الأمن: "غداً (اليوم) تتّخذ إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب تدابير حاسمة لمنع نظام (الرئيس بشار) الأسد من الحصول على انتصار عسكري، ولإعادة النظام وحلفائه إلى العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة"، مبينةً أنّ "قيصر" يهدف إلى "حرمان نظام الأسد الدعم والعائدات التي حظي بها لارتكاب فظاعات وانتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع، مانعاً أي تسوية سياسية، ومقوضاً بشكل خطير فرص السلام"، ومضيفة إن العقوبات بموجب هذا القانون "تهدف إلى ردع الأطراف السيئي النيّة الذين يواصلون مساعدة وتمويل فظاعات نظام الأسد بحق السوريين، محققين ثروات"، مع استدراك بسيط بأن هذه التدابير ستُعلَّق إذا ما أوقفت دمشق "هجماتها المشينة على شعبها وأحالت جميع مرتكبيها على القضاء".
كما أعلنت السفارة الأميركية لدى دمشق، عبر صفحتها على "فيسبوك"، أنه "مع دخول العقوبات حيز التنفيذ بموجب قانون "قيصر"، تواصل الولايات المتحدة التزامها ضمان وصول الدعم الإنساني الدولي إلى المدنيين عبر التنسيق الوثيق بين الشركاء الدوليين. وقبل أيام، كان المبعوث الأميركي إلى سوريا، جيمس جيفري، يعلن أن الإجراءات والعقوبات "ساهمت في تدهور قيمة العملة السورية مقابل الدولار الأميركي"، معتبراً أن ذلك "دليل على أن روسيا وإيران لم تعودا قادرتين على تعويم النظام". وذكر جيفري أن "العقوبات ستطاول أي نشاط اقتصادي تلقائياً، وكذلك أي تعامل مع النظام الإيراني"، كما كشف أن واشنطن قدّمت إلى الأسد، عبر طرف ثالث، "عرضاً بطريقة للخروج من هذه الأزمة. إذا كان مهتماً بشعبه فسيقبل العرض"، لافتاً إلى أن بلاده "تريد رؤية عملية سياسية من الممكن ألا تقود إلى تغيير للنظام، لكن تطالب بتغيير سلوكه وعدم تأمينه مأوى للمنظمات الإرهابية، وعدم توفيره قاعدة لإيران لبسط هيمنتها".